“من أجل حكّامنا ومؤازرتهم في كلّ عمل صالح، إلى الربّ نطلب”، “يا ربّ ارحمْ”. هكذا تصلي الكنيسة الأرثوذكسيّة في بداية القدّاس الإلهيّ. لا تسأل الكنيسة عن هويّة الحاكم كي تقرّر الصلاة، أو عدمها، من أجله. فالكنيسة تصلّي من أجل الناس كافّة، وبخاصّة من أجل “المسافرين والمرضى والمتألّمين والأسرى”. غير أنّها حين تصلي من أجل الحكّام، فإنّها تصلي من أجل أن يكون أداؤهم صالحًا للعباد وللبلاد.
بعد تقدمة القرابين (الأنافورا) وحلول الروح القدس على القرابين، يقول خادم القدّاس: “أعطهم (أعطِ حكّامنا) يا ربّ أن يكون عهدهم سلاميًّا، فنقضي نحن أيضًا، في ظلّ أمنهم حياة هادئة مطمئنّة في عبادة حسنة ووقار”. الغاية الأساسيّة من الصلاة هي أن يحيا المواطنون بسلام وأمان، ولكن أيضًا من أجل أن يكون هذا السلام بابًا إلى السلام الداخليّ والعبادة الحسنة، أي أن يتاح للناس العيش في القداسة، هنا والآن.
تخصّص الكنيسة الحكّام بالصلاة لأنّهم هم أهل العقد والحلّ، فبيدهم كلّ أمر وسلطة. هم القادرون، أكثر من سواهم، بحكم السلطان المعطى لهم، أن يجنحوا إلى الخير أو إلى الشرّ، إلى السلم أو إلى الحرب. ولا ريب في أنّ مفاعيل ما يقرّرونه ويعملونه تطال كلّ القاطنين في ظلّ حكمهم، لذلك مسؤوليّتهم أمام الله والناس أكبر من مسؤوليّة سواهم من الناس، ودينونتهم أقسى من دينونة سواهم. “فبالكيل الذي تكيلون به للناس، يكال لكم”، يقول السيّد المسيح. والحكّام حين يمثلون أمام الله في اليوم الأخير سوف يناديهم، جلّ جلاله، بأسمائهم الأولى مجرّدة من كلّ لقب. لن تنفع يومئذ الألقاب والمناصب، بل الجواب على السؤال: “ماذا فعلتَ في حياتك يا فلان؟”.
أمّا وقد أصبح للبنان وللبنانيّين رئيس للجمهوريّة، فإنّنا نرجو أن يكون عهده عهدًا مقبولاً لدى الله، عهدًا يتوب فيه اللبنانيّون عن الفساد الذي هو سبب كلّ انحطاط للبلاد. فالمعروف أنّ الفضيلة هي أساس الرفاهية الاجتماعيّة، فإذا بطلت الفضيلة زادت الرذيلة. بدء “كلّ عمل صالح” هو الحرب على كلّ عمل يفاقم من الفساد. هذا رجاؤنا الأوّل، وحين نقول “رجاء”، فإنّنا لا نقصد إرجاءه إلى الحياة الأخرى، بل أن نراه محقّقًا في أيّامنا.
نصلّي من أجل يكون العهد الجمهوريّ الجديد عهدًا يسود فيه السلام والمساواة والحقّ والعدالة الاجتماعيّة، عهدًا تكون فيه المواطَنة الكاملة محترمة وممارَسة على أرض الواقع. الأمثلة كثيرة، نكتفي هنا بواحد منها، فالمرأة اللبنانيّة المتزوّجة من غير لبنانيّ مظلومة، ومواطنتها منقوصة، حين يمنعها القانون من منح جنسيّتها لأولادها. نرجو أن يُرفع في ظلّ هذا العهد كلّ ظلم يلحق باللبنانيّات وباللبنانيّين وبسواهم ممّن يقيمون على أرض هذا الوطن.
نصلّي من أجل ألاّ يبقى بائس ومسكين في هذا العهد الوليد. وكوننا نصلّي، نتذكّر قول المسيح: “جعتُ فأطعمتموني، وعطشت فسقيتموني، وكنتُ غريبًا فآويتموني، وعريانًا فكسوتموني، ومريضًا فزرتموني، وسجينًا فجئتم إليّ” (متّى 25، 35-36). صلاتنا لا تكفي إن لم تقترن بالأفعال، والفعل الفاعل هو بيد مَن بيده السلطة، فنرجو أن تعطف الدولة على الفقراء والنازحين والمرضى والسجناء، عبر تقوية الضمان الصحّيّ للجميع، وضمان الشيخوخة، والطبابة المجّانيّة، والتعليم المجّانيّ بمستوياته كافّة، وإيواء النازحين إلى حين انفراج الأزمة التي أدّت إلى نزوحهم، وتحسين أوضاع السجون المزرية…
نحن أبناء الرجاء الدائم، نصلّي من أجل أن يكون هذا العهد عهدًا نعيش في ظلّه كما في الملكوت الآتي. هذا هو التحدّي. كان الله في عونكم فخامة الرئيس.
الأب جورج مسّوح
موقع ليبانون فايلز، 2 تشرين الثاني 2016