أخطأت الى السماء وقدامك – المطران بولس (بندلي)

mjoa Tuesday December 6, 2016 133

أخطأت الى السماء وقدامك – المطران بولس (بندلي)

أيها الأحباء،
جاع الابن الشاطر بعد ان ظنّ أنه اذا أخذ ما يصيبه من الميراث الأبوي وبالتالي أصبح “سيداً” للحصة التي تعود له وحراً ان يتصرف بها “كما يشاء” وقصد الابتعاد عن أبيه ظاناً أنه هكذا يعيش “على ذوقه” طليقاً من أي قيد يقيده به أبوه، فوجد نفسه مقيداً بالتعاسة والجوع يحاول ان يخاطف الخنازير الخرنوب الذي كان يُرمى اليها لأنه لم يعطه أحد منه فبقي محروماً من الحد الأدنى من الطعام يحتاج اليه لكي يستمر في الحياة.

واذ به تمر أمامه صورة الأجراء الكُثر المتواجدين في البيت الأبوي والذين يَفْضُلُ عنهم الخبز، فبرز جوعه وحنّ الى بيت أبيه فهمّ بالرجوع اليه لأنه جاع وفقط لأنه جاع وأعدّ الكلمة التي أعدها ليقولها لأبيه عسى أن يقبله.
أما الأب فنراه “لا يعتب” على ابنه -لقد تألم لأنه تركه كونه يدرك ان ابتعاده عنه لا بد الاّ وأن يجرّ عليه الويلات- ولكن هذا الأب، ولو ترك ابنه يبتعد لأنه يحترم فيه “حرية أبناء الله” التي يتميز بها الانسان المخلوق على صورة الله، عن بقية المخلوقات، هذا الأب بقيت عيناه مسمرتين في الأفق البعيد الى حيث ابتعد ابنه ولم ييأس منه حتى اذا ما رآه يخطو خطوة واحدة للرجوع اليه وهو متعب ومنهوك القوى كان هو الذي يسبق ولده العائد نحوه ببطء، ودون ان يمسك واجباً مع نفسه وعلى الأقل “ليحفظ ماء الوجه” تحنن عليه وركض نحوه…
يا لتحنن هذا الأب اتجاه ابن يُصنف “عاقاً” بموجب قاموسنا البشري المحدود!
يا لرحمة هذا الوالد الذي عصاه ابنه فيركض اليه وطبعاً نتصور بأنه قطع أكثر بكثير من نصف المسافة التي تفصله عنه!
يا لأسرار اللهفة الأبوية التي لا تشفق على نفسها ولا على شيخوختها لتسارع نحو الولد الذي أسرع كثيراً في ابتعاده والآن يعود متباطئاً قاصداً أباه من أجل مصلحة خبز أمست همه الأوحد فأتى نحوه من اليه كانت الحاجة الوحيدة.
يا للمأساة التي يعرّض الأب نفسه اليها فيصبح مشدوداً بين ابن أصغر يأتي اليه ذليلاً بعد اختبار البعد عنه الذي يدفعه ان يفكر بالقول لأبيه أنه ليس مستحقاً أن يرجع اليه كابن ويطلب بالتالي اليه ان يحسبه أجيراً، وبين ابن أكبر لم يبتعد عنه مسافة مادية لكنه في عمق قلبه قال ان أخاه لم يعد بعد الذي فعله أهلاً لهذه الأخوّة، فقرر “من جهته” شطبه كأخ جاعلاً المسؤولية على عاتق أبيه الذي يستقبله كابن. أما الأب فيصلب نفسه بين ابن أخطأ وتاب فقبله بفرح وبين ابن ظنّ أنه لم يخطئ لكنه اقترف خطيئة كبيرة “برفض” أخيه “فتوسل اليه أبوه” لكي يدخل ليلاقي أخاه فتنهدم الحواجز بينهما.
أيّا من الموقفين سنختار وها نحن قد قطعنا أسبوعاً من الاستعداد لدخول فترة الصوم الأربعيني المقدس؟
هل نعي أننا خطأة وهذه هي الحقيقة بالذات؟ هل نفكر بأننا في ابتعادنا عن الله نحن في جوع صعب جداً لكن الرب ينتظرنا، ينتظر رجعتنا التائبة اليه؟ وبالتالي هل نتقدم بثقة نحو الذي، اذا ما خطونا نحوه خطوة واحدة “سيركض” الينا لكي يقبلنا؟ هل نعي أننا اذا قلنا له الحقيقة: نحن جائعون اليك انت يامن قلت “طوبى للجياع والعطاش الى البر” نحن جائعون الى رحمته لأن رحمتك أفضل من الحياة، نحن بحاجة الى استقبالك الحار لنا رغم برودتنا الروحية القطبية فإذا ما همسنا في اعترافنا: “أننا أخطأنا اليك” أنت تعيد لنا الحلّة الأولى وتذبح لنا العجل المسمّن وتدعو الجماعة لكي تفرح معك بعودتنا؟ هل نعي أننا اذا وقفنا وقفة الديّان لإخوتنا لن نقبل بأن ندخل بيت الرب ونُحرم هكذا من رؤيته المحيية ومن شركة الكنيسة جماعة التائبين الى الرب؟ هل نعي أننا اذا وضعنا أمام أعيننا أن الآخرين خطأة وبالتالي لا يستحقون رحمة الله، هل نعي أننا نعرّض أنفسنا الاَّ نتعرف أبداً على هذه الرحمة الالهية وينطفئ فينا الرجاء في العودة اليها؟
أيها الأحباء يجدر بنا ان نتأمل هذه الحقائق ونقول للرب: ارحمنا واغفر خطايانا واجعلنا ندخل بيتك مستعطفين رحمتك علينا نحن الخطأة واجعلنا نفرح برجوع الآخرين اليك وأكمل فرح كنيستك والعالم اجمع بعودة الجميع، دون استثناء الى خلاصك الذي نبتهل اليك الاّ تحرمنا منه. آمين.

نشرة البشارة
العدد 6 – في 11 شباط 2001
أحـــد الإبن الشاطر

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share