الأعمى المتشبِّث – المطران بولس (بندلي)
رتبت الكنيسة المقدسة لهذا اليوم المبارك مقطعاً إنجيلياً عن شفاء أعمى -الأعمى كان يستعطي- لا يستطيع أن يعيش إلاّ إذا أخذ “حسنة” من المارين، حسنة مادية بالطبع ولا بد أن نتصور ان هذا الاستجداء لعطف البشر كان مستمراً عنده وهذا أمر لا غرابة فيه إنسانياً…
الأمور تغيّرت فجأة عند مرور الرب يسوع. لم يستطع أن يراه لكنه سمع الجمع الذي كان يرافقه ويسير معه ليسمع كلمته ويبرأ من أمراضه… سأل من هو الذي كان ماراً والناس تحيط به بهذه الكثرة. أجيب بأن يسوع الناصري مجتاز… يسوع، الذي اسمه يعني “الله المخلص لشعبه”، يسوع الذي كان يعلم ويشفي كل مرض وضعف في الشعب ولو كان قد إنتسب إلى الناصرة وكما سيقال “إن من الناصرة لم يكن ممكناً أن يخرج شيء صالح” (يو46:1)، يسوع هذا أصبح أملاً كبيراً للأعمى فأخذ يصرخ إليه أن يرحمه، أما الناس الذين كانوا هناك فتضايقوا لأنهم يتضايقون من الصراخ. الإنسان لا يستطيع أن يتحمل “صراخ” غيره، يكفيه ألمه، الصراخ يزعجه فلذلك حاول الناس عوض أن يقرِّبوا الأعمى الذي هو من جنسهم، من لحمهم ومن دمهم، إلى يسوع حاولوا أن يسكتوه وكأنهم يريدون أن يقيموا حاجزاً بين الله والمحتاج الى رحمته، وربما فكروا أن صراخ هذا الأخير قادر أن يقلق الرب المتحنن ويزعجه… يا لسوء تقديرهم، ألم يسمعوه يقول: “أريد رحمة لا ذبيحة…؟” (متى12:9).
لكن الأعمى تشبَّث في طلبه، فبعد أن إنتقل من الاستجداء للقمة عيشه إلى طلبه البصر من الذي يرحم ويفتح أعين العميان فلم يعد يستطيع أن يقبل بأي حاجز يعترض وصوله إلى رحمة الرب فأخذ يصرخ أكثر كثيراً “يا ابن داود إرحمني”. (لو39:18).
فوقف يسوع لأنه لم يرد أن يتجاوزه… وقف يسوع ليقول له ماذا تريد أن أفعل بك، فبتحننه العظيم أراد أن يشرك الأعمى بعمل الشفاء الذي كان سيمنحه إياه بعد لحظات وبقوته الإلهية. الرب لا يهمل الإنسان ولا شخصيته، لا يريد أن يسجل أعجوبة جديدة لكي يبهر العيون… صمم أن يفتح عيني الأعمى لكي تريا النور، هذا هو هم الرب في شفائه، أن يدرك الإنسان انه ليس مرمياً على الأرض ولكنه إذا أعلن إرادته أن يشفى ويبصر حينئذ يتحنن الله عليه ويشفيه معلناً إنه الرب القادر على كل شيء له الكرامة والسجود إلى أبد الدهور. آمين.
نشرة البشارة
العدد 48 – في 2 كانون الأول 2001
الأحـــد السادس والعشرون بعد العنصرة