الهوة بين الله والانسان – المطران بولس (بندلي)

mjoa Tuesday December 6, 2016 356

الهوة بين الله والانسان – المطران بولس (بندلي)

“بيننا وبينكم هوّة قد أثبتت”
هكذا قال أب الآباء إبراهيم للغني الذي تحدَّث عنه المقطع الإنجيلي الذي تلي على مسامعنا في هذا اليوم المبارك. ما هي هذه الهوة؟ ومن أوجدها وكيف أثبتت؟
الهوة تعني حفرة عميقة فصلت الغني عن الله نفسه، إذ أن حضن إبراهيم الذي نقلت الملائكة لعازر المسكين إليه بعد موته، يمثل وضع الإنسان الذي تحمّل الآلام والبلايا خلال حياته بصبر إذ يتعزى الآن بتعزية الله فيصبح “حضن إبراهيم” تعبيراً عن حضور الله وتعزيته للإنسان الذي يِنقَل إليه -فالهوة إذاً أثبتت بين الله والإنسان.

أمّا إذا تساءلنا من أوجدها وكيف أثبتت، فالجواب الأكيد على هذا السؤال هو أن الإنسان هو الذي يحفر الهوة بينه وبين الله. كيف يحدث ذلك؟ يحدث عندما يغلق الإنسان أحشاءه تجاه أخيه الإنسان فيجعله يشتهي أن يأكل الفتات المتساقطة من مائدته ويرفض أن يعطيه ما يسد رمقه بل يترك كلابه تلمس قروح أخيه المسكين. فالإنسان الذي يتجاهل وجود أخيه الإنسان ناسياً كلمة الرب: “كل ما فعلتم بأحد أخوتي هؤلاء الصغار فبي فعلتموه” هكذا يكون الإنسان قد جعل هوة بينه وبين أخيه الإنسان المرتسمة فيه صورة الله فتصبح هذه الهوة بين الإنسان وبين الله نفسه.
ويبقى الله واقفاً على باب الإنسان يقرعه بشخص الإنسان الآخر، فإذا أصمَّ أذنيه وبقي مصرّاً على عدم فتح الباب كونه يبقى مصرّاً على عزلة أنانيته فحينئذ يكون قد أوصد باب حياته أمام الله نفسه وأثبتت الهوة التي حفرها بينه وبين الله.
فإذاً ليس الله المسؤول عن هذه الهوة. نتذكر كلاماً في الإنجيل المقدس عن أناس أخذوا يقرعون باب سيدهم وكانوا قد بشروا باسمه (على الأقل هكذا كانوا يظنون ولكن لعدم وجود المحبة في حياتهم فلم يكونوا قادرين أن يبشروا به) فلم يفتح لهم الباب (لأنهم لم يتزودوا بزيت الرحمة) بل صرخ بهم عبر الباب المغلق: إذهبوا عني يا فاعلي الإثم.
حذارى أن نقع في فخ هذه الهوة، نحن مدعوون أن ننتبه إلى اننا لا نستطيع التقرب من الله إذا لم نسعى للتقرّب من الإنسان الذي تضعه العناية الإلهية في طريق حياتنا، كل إنسان دون استثناء إذا ما رفضناه، رفضنا الله نفسه وحفرنا هوة سحيقة بيننا وبينه ونسفنا الجسور التي تمكننا من الحياة بنعمته.
نحن مدعوون أن نَثْبُتَ في المحبة، محبة القريب لا أن نثبت هوة بيننا وبين الإنسان الآخر. وإذا ما لاحظنا ان ضعفنا البشري يحفر هذه الهوة فعلينا أن نتشبث بردمها بنعمة إلهنا الذي أتى لكي يجمع المتفرقين إلى واحد وهكذا ندخل في الخط الخلاصي ونبارك الله الذي قوَّى جهودنا البشرية فجعلنا نتحد به وهكذا نتحد حقاً بكل إخوتنا في البشرية. آمين   

نشرة البشارة
العدد 44 – في 4 تشرين الثاني 2001
الأحد الثاني والعشرون بعد العنصرة

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share