لنتبع المصلوب معاً – المطران بولس (بندلي)
أيها الأحباء، ها الكنيسة تصل بنا الى منتصف الصوم الأربعيني المقدس! ها هي ترفع صليب الرب لنسجد له! انها تذكرنا بغاية صومنا وبهدف مسيرتنا الخلاصية -انها تفكر بالتعب والضجر اللذين يمكنهما ان يكتنفانا بنوع خاص في هذه المرحلة من جهادنا الروحي، فلا بد لنا في أول الصوم أن نشعر في اندفاع نحوه وفي آخره أيضاً نتعزى باقتراب بلوغنا الهدف المنشود . أما الصعوبة فإنها تكمن بنوع خاص في انتصافه حيث يمكن أن يحلّ علينا التعب والملل أكثر من أي وقت آخر وخاصة أن الجهاد الذي يرافق الامتناع عن الطعام مضني لقوانا البشرية اذ أنه يتطلب منا دون هوادة أن نتحمل الأخ الذي مات المسيح من أجله فترفع لنا الصليب لنسجد له.
الصليب مات المسيح عليه ليجذب اليه الجميع!
الصليب بسط المسيح يديه عليه ليضم أبناء الله الذين يفرقهم هذا العالم الذين ينقادون الى تجاربه بسبب ضعفهم، فيجمعهم من انحدر من سمائه الى الله، يجمعهم الى اتحاد واحد!
الصليب عُلّق المسيح عليه كجسر يربط كل البشر دون استثناء، بالله الحي الذي يعطي حياة أبدية للجميع، لأن هاجس الفادي الالهي أن يَخْلُصَ الكل والى معرفة الحق يقبلوا!
الصليب الذي مات المسيح عليه من أجل أن يعطينا سلاماً حقيقياً ثابتاً الى الأبد فلا تتقاذفه أهواء ظلمة هذا الدهر ولا مطامع بشرية استيلائية تتسلى بالانسان كأنه سلعة تُباع أو تُشرى فيأتي الحَمَل الذبيح من اجلنا يردد على مسمعنا “ماذا ينفع الانسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه” مؤكداً لنا بصليبه أن قيمة الانسان المُفتدى بالدم الالهي لا تُقاس بالمقاييس البشرية المتاجرة به بل بخلاص آت من لدن الله ليصنع فداءً أبدياً فيسُرّ في اذن الانسان: قد اشتُريت بثمن فماذا تعمل لتحافظ على نعمة الله المعطاة لك مجاناً وهل يمكنك أن تفكر بثمن أرضي تبيع نفسك به، أنت الذي أُعطيت بصليب رُفع من أجل كل انسان، فهل فكرت أي ثمن تطلبه لنفسك؟ وهل يوجد خارج المصلوب أي ثمن تعطيه فداء لنفسك؟
أيها الأحباء هلم بنا نقترب معاً من المصلوب من أجل العالم بأسره!
هلم نأتي اليه ونحن نحمل صليب الاخوة! هناك صلبان يومية وثقيلة تنتج عن لقائنا بهم وتعاملنا معهم! هل نستعفي منهم ومنها؟ الصعوبة اذا ما استعفينا من الاخوة وتركناهم لشأنهم أن ينتج عن ذلك استعفاء من المسيح وصليبه! الرب يطلب منا اذا أردنا اتبعاه أن نحمل صليبه ونتبعه وصليبه مرتبط بصليب الأخ الآخر الموجود كل يوم في طريقنا، فهل نحن مستعدون أن نسخّر أنفسنا كسمعان القيرواني بأن نحمل صليب الاخوة المخلوقين مثلنا على صورة أرادها الله بهية فتشوهت بسبب خطايانا فكان صليب يموت عليه البريء من أي خطيئة لكي يهب الانسان به “الجمال القديم”.
هذه هي دعوة المصلوب لنا: أن نأتي اليه معاً فهو الذي يقوينا أن نحمل صليب الأخ الآخر لأنه السيد الرب الذي بالتصاق صليبنا بصليبه يعطي لنا قوة الانتصار على الموت الحاصلة بقيامته من بين الأموات فنصرخ نحوه مع الكنيسة مرنمين: “لصليبك يا سيدنا نسجد ولقيامتك المقدسة نمجد” فنأخذ من على الصليب المزيّح بيننا أوراق الغار المكللة لجهاد كعربون لاكليل المجد الذي سنُكافأ به من قبل الرب غالب موت هذا العالم بموته وقيامته. آمين.
نشرة البشارة
العدد 11 – في 18 آذار 2001
الأحـــد الثالث من الصوم
(رفع الصليب)