صلاة لوحدة الكنائس أو لديمومة انشقاقاتها؟

الأب جورج مسّوح Wednesday January 18, 2017 309

يبدأ اليوم “أسبوع الصلاة من أجل وحدة الكنائس”، وأحوال المسيحيّين، والمسلمين كذلك، في بلادنا تزداد سوءًا، أمنيًّا وسياسيًّا وثقافيًّا ودينيًّا. لكن كيف ساءت أحوالهم دينيًّا؟ ما علينا سوى التنعّم في المشاهد التي تحيط بنا كي نلمس لمس اليد تنامي التطرّف والتعصّب والتزمّت والتقوقع وكره الآخر، ورواج الخرافات والخوارق. وما بات هذا التعصّب يقتصر على مَن ينتمون إلى ديانتين مختلفتين، بل بات حاضرًا ضمن الديانة الواحدة.

لقد أسهمت الكنيسة الأنطاكيّة الأرثوذكسيّة منذ نشأة مجلس الكنائس العالميّ ومجلس كنائس الشرق الأوسط في العمل الجدّي والسعي الدؤوب من أجل استعادة الوحدة المنظورة بين الكنائس. كما ترأس بطاركتها هذين المجلسين لفترات زمنيّة عديدة، وكان لأساقفتها فيهما حضور مميّز، ولا سيّما على الصعيد اللاهوتيّ، في الاجتماعات العامّة وفي اللجان المختصّة. وليس لنا أن نذكر، على سبيل المثال، سوى البطريرك الراحل إغناطيوس الرابع هزيم والمطران جورج خضر كي نعلم مدى الحضور الأنطاكيّ وأهمّيّته في العالم المسيحيّ بكنائسه كلّها.

على الرغم من استمرار عضويّة الكنيسة الأنطاكيّة الأرثوذكسيّة في المجلسين، ومشاركتها الفاعلة في أعمالهما، نجد بعض الأصوات الأرثوذكسيّة تعترض على هذه العضويّة لاعتبارات عدّة. فمنهم مَن يعتقدون أنّ تسمية “كنيسة” لا تجوز أن تُطلق إلاّ على الكنيسة الأرثوذكسيّة، وتاليًا كلّ اعتراف بـ”كنائسيّة” غير الأرثوذكس هو خيانة للإيمان الأرثوذكسيّ وتناقض مريع. فكيف يكون، وفق هؤلاء، “كنيسة واحدة جامعة مقدّسة رسوليّة” (دستور الإيمان) وفي الوقت عينه “مجلس كنائس”؟ ثمّ كيف نصلّي “من أجل وحدة الكنائس”، والكنيسة هي واحدة وليست كنائس عدّة؟

تتساءل ببساطة أمام بعض القائلين هذا القول: “لكنّ بطريركنا وأساقفتنا يدعون إلى المشاركة في هذه الأنشطة، وهم أنفسهم يشاركون بها، وقولكم هذا يدينهم أشدّ الإدانة، وربّما عن غير قصد تخرجونهم من الإيمان”. فيقولون لك: “هذا نوع من أنواع المسايرة الرسميّة الملزمين بها بسبب الظروف. أمّا إذا سبرت غور قلوبهم لوجدتهم يقولون قولنا”. هكذا يفكّرون! إنّهم يتّهمون رؤساءهم الدينيّين بالمداهنة والنفاق، ولا يجرأون على مواجهتهم. ولو كان هؤلاء المعترضين غيورين حقًّا لطالبوا بعزل قادتهم الدينيّين، لا أن يداهنوا مع المداهنين، ويسايروا المسايرين، ويجبنوا أمام رؤسائهم. للأسف، لم أكن أعلم أنّ بعض الأرثوذكس يستعملون التقيّة والكتمان، أو الظاهر والباطن، في تعاملهم الكنسيّ!

طبعًا، نحن نعلم علم يقين أنّ البطريرك والمطارنة الأنطاكيّين لا يسايرون ولا يداهنون، ومن المعيب أن يُتّهموا بما ليس فيهم. وذلك ليس فقط لأنّهم صادقون في التعبير عن إيمانهم، ولأنّ سلوكهم ينسجم مع قناعاتهم الراسخة، بل أيضًا لأنّهم متجذّرون في اللاهوت الأنطاكيّ الذي أوجز وصفه ببلاغة البطريرك هزيم بقوله: “قلنا بالتنوّع والانفتاح، وهذا من صلب عقيدتنا”. الانفتاح هذا سمة كنيستنا الأنطاكيّة، وهذا أرثنا الذي ينبغي الحفاظ عليه.

من هنا نرى أنّ الصلاة المشتركة التي تجمع المسيحيّين من الكنائس المعترفة بعضها ببعض لا تندرج ضمن إطار المساومة على الإيمان المستقيم أو الارتداد عنه. فالصلاة من أجل الوحدة لا تعني أنّ الوحدة قد تحقّقت على الرغم من بقاء ما يمنع الوحدة إلى اليوم. الصلاة من أجل الوحدة تأكيد على أنّنا لسنا، للأسف الشديد، واحدًا بعد. الصلاة هي عمل رحمة، وحثّ على التوبة، ودعوة إلى السعي بلا كلل لتحقيق ما يُفرح الربّ ويُفرحنا نحن أيضًا.

الأب جورج مسّوح

موقع ليبانون فايلز، 18 كانون الثاني 2017

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share