كلمة صاحب السيادة في احتفال تكريم الطلاب الناجحين في رعية رحبة في 10/12/2005
باسم الله نجتمع اليكم في هذه البلدة الحبيبة لنشترك وإياكم في مهرجان العلم الذي يقيمه سنوياً المجلس البلدي الكريم بالاشتراك مع مجلس الرعية وأبنائنا في حركة الشبيبة الأرثوذكسية.
إنه بالحقيقة لتقليدٌ محترم جداً أن تحتضن مؤسسات رحبه أبناءها كي تعلن لهم انها تتتبع جهودهم بكل أمانة وهكذا تُجَسِّد تعبيرها لهم ولكل من يرافقهم من أهالٍ كرام مُضَحِّين ومن أساتذة أفاضل ينكبون بكل اخلاصهم على عملهم الذي يقارب الأشغال الشاقة أحياناً ومن مدراء المؤسسات التربوية الذين لا يألو لهم جهد إلا ويقدمونه لمن أؤمنوا عليهم. ألم يقل المثل المأثور: “العلم في الصغر كالنقش في الحجر” والحجر كونه ثابتاً في متانته يكلف من يحفر فيه جهوداً مُضنية تنزف عرقاً ودماً هكذا هو العمل في الحقل التربوي.
وبهذه المناسبة الجليلة التي تجمعنا أود أن أتذكر وإياكم ما جاء في الكتاب المقدس فيما يتعلق بالعلم الذي تكرمون الآن بحق واجب جميع أولئك الذين يتعبون في حقله، عساني أن أتلمس وإياكم أهمية هذه الجهود التي تبذلونها لتركيزه على أسس متينة تمكنه أن يحمل ثماراً يانعة.
إننا نقرأ في رسائل القديس بولس “أن العلم ينفخ والمحبة تبني” وهذا يعني بشكل أكيد أن العلم ليست غايته تكديس معلومات كأن العقل يصبح خزاناً لها يحفظها لذاته، إنما العلم هو أداة تُمَكِّن الإنسان أن يخدم الإنسان الآخر كما قال الرب يسوع المسيح لتلاميذه: “إنكم تدعوني معلماً وهكذا أنا ولكن لم آت لأُخدَم بل لأَخدِم ولأبذل نفسي عن كثيرين”. هكذا نرى أن للعلم هدفاً وهو خدمة كل إنسان تضعه العناية الإلهية في طريقنا، فإذا ما فعلنا ذلك نكون قد بنينا أنفسنا على أساس إيماننا بالله الفاعل بالمحبة وعندئذ يكون بناؤنا ثابتاً لا يمكن لكل رياح هذا العالم أن تزعزعه، كونه ثابتاً على صخرة لا تتزعزع أبداً.
في العلوم التطبيقية، كما تعلمون يسبق الاختبار مرحلة التعلم النظري مما يقود طالب العلم الى استعابه بشكل أكمل، وهكذا في كل علم مهما كان نوعه اذا كنا نريده علماً فاعلاً أي بناء ينبغي أن ننتبه الى لقاء الآخر عِبر علمنا، أي أن يشعر الآخر، كلُّ آخر، بأن علمنا لا يبعدنا عنه، بل بالحري يقربنا إليه ويدفعنا الى الاهتمام كل ما يساعده (أي الآخر) أن يرفع رأسه ويحافظ على كرامته فتصبح غاية علمنا تسخيره لتحقيق هذه الغاية الشريفة.
أيها الأحباء، يخطرني ونحن نقترب من ميلاد ربنا ومخلصنا يسوع المسيح أن أتأمل بالمجوس الذين يمكننا أن نصنفهم كمتعاطين علم الفلك وكانوا بالتالي يرصدون السماء وفق علمهم كي يترقبوا فيها علائمَ ترشدهم الى مصير الإنسان على أرضنا.
وها هم، بولادة المخلص، يهتدون إليه بواسطة كوكب كانوا يعبدونه، فقادهم هذا الكوكب الى المكان الذي كان الطفل الإلهي فيه، فتعلموا، كما تذكر صلوات العيد، من الكوكب السجود للإله الواحد الذي يليق له وحده هذا السجود. نراهم إذاً يتعلمون بدورهم أي يبلغون الى علم جديد، ثابت يجعلم يرصدون ينبوع الخلاص للبشرية جمعاء.
هذا ما وددت أن أتأمل وإياكم به مُستخلصاً أن العلم يمكنه أن يكون، إذا أردنا ذلك، وبفضل نعمة الله حقل تقديس لإنسانيتنا أي حقل بلوغها الى الكرامة التي يريدها لها الله خالقها.
قال السيد: “من عمل وعلّم هذا يدعى عظيماً في ملكوت الله”.
نحن مدعوون أن نتذكر هذا البعد العميق للعلم فإذا قبلناه وسيلة فعالة للتعبير عن المحبة، فطوبى لهذا المسلك الذي نبنيه على الأسس التي لا تتزعزع، ويبقى البناء شامخاً بمقدار ما تكون أساساته قوية وهل هناك أساس أمتن من المحبة البناءة.
في الختام أكرر شكري وتهنئتي لكاهن هذه البلدة الحبيبة، لرئيس وأعضاء المجلس البلدي الكريم ولمجلس الرعية الموقر وحركة الشبيبة الأرثوذكسية العاملة بكل نشاط مع تهاني القلبية لإدارات المدارس المشتركة بهذا الاحتفال لمدرائها وأساتذتها وللطالبات والطلاب أصحاب التكريم المحق لهم دون أن ننسى أهاليهم المحبين ولكم جميعاً كل محبتنا. حفظكم الله والى سنين عديدة لمثل هذا الاحتفال البهي. آمين.
نشرة البشارة
الأحد 18 كانون الأول 2005
العدد 51