الصليب طريق إلى القيامة – المطران جورج (خضر)
جعلت الكنيسة، في منتصف الصوم، الصليب محورًا لجهاد المؤمن الصائم لأنّ الإنسان قد يملّ، وأرادت الكنيسة أن يتابع سيرَه بفرح وصبر وسلام حتّى يبلغ القيامة. وُضع الصليب على الزهر لأنّه ليس أداة آلام. إنّه يبتدئ بالآلام ولكنّه ينتهي بالقيامة.
القيامة الآن حاصلة في نفوسنا إن كنّا للمسيح. ولكن لا تكون القيامة إلاّ إذا طبّقنا القواعد التي تحدّث عنها يسوع في الإنجيل: «من أراد أن يتبعني فليكفر بنفسه ويحمل صليبه ويتبعني».
هذه القيامة، قيامة الحياة، ازدهار الحياة، انبعاثنا من الألم ومن الخطيئة، سلامنا، فرحنا، هذه كلّها تصير إن أردناها أن تصير: «من أراد أن يتبعني. المسيح لا يُكره أحدًا على الحياة ولا يُكره أحدًا على الموت. ليس أحد مجبرًا على محبّته ولكن مَن أحبّه يعيش ومَن لا يحبه يموت. ليس أنّه يموت موتًا في الجسد ولكنّه ميت اليوم وهو يتحرّك. ليس كلّ من رُزق الحياة حيًّا بالمعنى الصحيح.
من أراد أن يتبع المخلّص، أي من أراد أن تكون فيه حياة المسيح، حياة الله، عليه أن يكون إلهيًّا في نفسه، في أخلاقه، في تصرّفاته، في فكره. من أراد أن يصبح مثل الله، حيًّا مثله، محييًا مثله، سيّدًا، كريمًا مثله، أزليًّا مثله، من أراد ذلك عليه أن يكفر بكلّ شيء وبالنهاية أن يكفر بنفسه.
هذه الحياة الكريمة، الطيّبة، السعيدة التي لنا مع الله تعرقلها عراقيل كثيرة. تعرقلها كلّ محبّة باطلة، كلّ تعلّق فاسد. الإنسان الذي يعشق المال عشقًا ويغرق فيه غرقًا، يصبح على صورة الشيء الذي يحبّه. فمَن أحبّ الجسد يصبح هو أيضًا جسدًا، نتِنًا كالجسد، مريضًا كالجسد، فانيًا كالجسد. من أحبّ الله يصير على صورة الله، أي سيّدًا، حرًّا، أزليًّا، دائم الوجود.
هل نصبح مثل الله؟ هذا يفترض ألاّ نصبح مثل أشياء العالم ومثل الحيوانات التي في العالم. وإذا تركنا حيوانيّتنا وصنميّتنا وتعبّدنا للجسد وتعبّدنا للدنيا، نصبح أحرارًا أي نصلُب تلك الأشياء التي كنّا متعلّقين بها. إن أمتنا الأشياء التي كنّا نعبدها نصبح أحرارًا منها وهي التي كانت تكبّلنا. نصبح فقط أمام الله وننظر إليه وينظر هو إلينا، نتأمّله ونقتبس جماله ونصير كما يكون هو أي أنّ نور وجهه يرتسم علينا، ومن رآنا على هذه الأخلاق وهذا التصرّف، من رآنا على هذه الروحانيّة فكأنّه رأى الله.
«من أراد أن يتبعني» يعني من أراد أن يكون قائمًا مثلي حيًّا كريمًا، هذا لا تسود عليه الأشياء التي لا أرضى عنها. ويسهّل لنا السيّد هذه المسيرة بقوله: «ماذا ينفع الإنسان لو ربح العالم كلّه وخسر نفسه؟» أو «ماذا يعطي الإنسان فداء عن نفسه»؟ هذه كلمة نقولها في المآتم: ماذا أخذ معه؟ الدنيا فانية. علينا أن نتذكّر هذا ليس فقط في المآتم ولكن لنعيش كلّ يوم ونحن أصحّاء مالكين قوّة الجسد ونقول: ماذا ينفعني هذا المال المتزايد الذي أتكالب عليه؟ أو ماذا ينفعني هذا الجاه الذي أتبجّح به أمام الناس؟ أو ماذا تنفعني الزعامات التافهة؟ وإذا كان شيء من هذا لا ينفعني فأنا فوق كلّ هذه الأشياء. وإذًا أنا حرّ، لأنّي ما طلبت كلّ هذا الأشياء وأنا ابن القيامة، ولهذا أستطيع أن أقضي النصف الثاني من الصوم منتظرًا القيامة متذوّقًا المسيح بالروح، بالتصرّف، بالسلوك اليوميّ ليطلّ علينا المسيح بفصح عظيم.
جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)
نشرة رعيتي
١٩ آذار ٢٠١٧