الغنى الحقيقي – المطران بولس (بندلي)
إن إنجيل هذا النهار المبارك يقدم لنا غنياً أغصبت أرضه وهذا من نعم الله له. أزداد محصوله من الخيرات فأخذ يتأمل بذلك. ولكن نتيجة تأمله هذا كانت سيئة للغاية وذلك لأنه نسي الله الذي منه “كل عطية صالحة وموهبة كاملة”، كونه لم ينتصب أمامه إلاّ “أناه” أخذ يستعمل “ضمير المتكلم” مضيفاً إياه الى الخيرات والغلات ونتيجة لذلك أضاف ضمير المتكلم ذاته على النفس الموهوبة له من الله فحصر نفسه بين الآفاق الضيقة للغاية التي للخيرات والغلات إذا ما حُصِرت ضمن نطاقه الأرضي فقط.
نسي قيمة نفسه التي أعطيت له “هبة” من ذاك الذي قال في إنجيله المقدس: “ماذا ينفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه” ليؤكد لنا انه وهبنا نفساً لا توازيها كل خيرات الأرض الفانية كونها بنعمة خالقها مدعوة أن تنتصر على الموت نفسه بيسوع المسيح الذي قبل أن يموت وداس آنذاك الموت بموته، ناهضاً من بين الأموات ومعتقاً الجنس البشري أجمع من قيود الموت.
وكون النفس البشرية لها هذه القيمة الأبدية، قد سمعنا الله يتوجه الى الإنسان الغني الذي أخطأ كثيراً تجاه نفسه إذ انه حصرها بين الأكل والشرب والراحة والفرح الأرضي الزمني، ناسياً الآفاق العلوية اللامتناهية التي هي مدعوة إليها قائلاً له: في هذه الليلة تطلب منك نفسك!… فهذه التي أعددتها لمن تكون؟
أيهاالأحباء، لا نظنّن ان الله يتدخل ليضع حداً لفرح هذا الإنسان فينزع روحه لكي لا يهنأ بخيراته التي سمح هو بأن تكون له. إنما يريد بذلك أن يأخذ بيد الإنسان الذي خلقه وأحبه حتى الموت على الصليب، وينهضه من مستواه الأرض المحدود الذي لا يستطيع أن يروي غليله الى المستوى العلوي الذي يليق فعلاً بكرامته كمخلوق على صورة الله. يريد أن يؤكد له غناه الحقيقي هو بنفس تنجلي فيها صورة الله فيشرق الإنسان بلمعان إلهي يضيء ظلمة الدهر الذي نعيش فيه.
فإلى هذا الغنى الذي لا يستطيع سارق أن يسرقه ولا سوس ولا صدأ أن يفسداه أهل يارب نفوسنا وارحمنا. آمين.
نشرة البشارة
الأحد 19 تشرين الثاني 2006
العدد 47