نحيا، نحن اللبنانيّين، انتماءً مزدوجًا. نحمل الجنسيّة اللبنانيّة، وننتمي إلى طوائف مُعترف بها رسميًّا. في الدولة الدينيّة هناك دين واحد رسميّ، أمّا في لبنان فثمّة طوائف رسميّة على عدد الطوائف المعترف بها رسميًّا. بلدنا، إذًا، لم تتحقّق فيه المواطنة إلى اليوم، ذلك أنّ من شروط المواطنة المساواة في الحقوق والواجبات. غير أنّ اللبنانيّين غير متساوين في الحقوق، لأنّ حقوق المواطن اللبنانيّ هي الحقوق المحصورة بحقوق طائفته لا بحقوق مواطنته اللبنانيّة.
نحن غير متساوين في الحقوق. إذًا، ثمّة خلل في مواطنتنا وانتمائنا إلى لبنان وطنًا نهائيًّا. ومصدر الخلل في هذه المواطنة هو اضطرار اللبنانيّ لنيل حصّته من الدولة إلى العبور بطائفته، وإلاّ لن يحصل على مبتغاه. فلو كان اللبنانيّ مواطنًا عن حقّ، لا مجازيًّا، لكانت الدولة ملزمة، على سبيل المثال، بتشريع الزواج المدنيّ وعدم إلزام المواطن بالزواج الدينيّ وإن عن غير اقتناع. الدولة بعدم تشريعها الزواج المدنيّ تمارس القمع الدينيّ، وتضطهد الحرّيّات العامّة.
الدولة اللبنانيّة تجبر اللبنانيّين وتلزمهم باللجوء إلى طوائفهم للحصول على حقوقهم. الدولة بذا تشرّع التمييز الطائفيّ بين اللبنانيّين. وهذا التمييز لا يقلّ سوءًا عن التمييز العنصريّ. لكنّها أيضًا تمارس التمييز الجنسيّ ما بين الرجل والمرأة حين تمنع المرأة اللبنانيّة من وهب جنسيّتها لأولادها، فيما تمنح الرجل وحده هذا الحقّ. وهذا فيه انتهاك لمواطنة المرأة اللبنانيّة.
واقع الحال يشير إلى أنّ معظم اللبنانيّين يقدّمون ولاءهم الطائفيّ على ولائهم الوطنيّ، وإن حاول بعضهم التوفيق ما بين الانتماءين. لذلك نرى أنّ الولاء للطائفة يطغى على الولاء للوطن، لأنّ مصلحة اللبنانيّين تكمن في الولاء الطائفيّ الذي يحقّق لهم أمانيهم وطموحاتهم، لا بانتمائهم الوطنيّ الذي في وقت تقاسم الحصص لا يقدّم في الأمر شيئًا ولا يؤخّر. من هنا، خفوت صوت العلمانيّين وعدم تأثيرهم في البلد.
تغذي الدولة الانتماءات الطائفيّة والمذهبيّة للبنانيّين على حساب الانتماء الوطنيّ الواحد. فلا غرو أن تذهب قلوب اللبنانيّين إلى خارج لبنان، إلى حيث إرثهم الدينيّ موجود، وحيث أماكنهم المقدّسة، وحيث أضرحة أنبيائهم وقدّيسيهم وأوليائهم وأئمتهم، وحيث مهبط وحيهم… هذا الأمر لا مشكلة فيه إذا استطاعت تلك القلوب أن تميّز بين انتمائها الوطني وانتمائها إلى تاريخ دينيّ عريق. لكنّ الأمر ليس بهذا البهاء في لبنان.
لا بدّ من أن يؤدّي الإصرار على الخطاب الطائفيّ في الشأنين السياسيّ والوطنيّ، إلى الشعور بالغبن لدى فئات كثيرة. فالحديث عن حقوق الطوائف، أو عن حصص الطوائف، يعني حكمًا حرمانًا لدى فئات أخرى من المواطنين، مما يثير لديهم الامتعاض والاشمئزاز، ويدفعهم تاليًا إلى عدم الإيمان بالوطن، وليس فقط بالدولة.
إلى أن يصبح لدينا دولة مدنيّة عادلة ما بين اللبنانيّين، أي دولة لا تميّز في ما بينهم طائفيًّا ومذهبيًّا، سنبقى على حالنا مواطنين ناقصي المواطنة، رعايا الطوائف وماسكي أمورها. كنّا زمن السلطنة العثمانيّة رعايا السلطان العثمانيّ، أمّا اليوم فنحن رعايا قادّة طوائف لم يصبحوا بعد قادّة وطن. نحن نحصد ما نزرع.
الأب جورج مسّوح
موقع ليبانون فايلز، 1 نيسان 2017