كلمة في إحتفال عيد حركة الشبيبة الأرثوذكسية السادس والستون (2) – المطران بولس (بندلي)
الكلمة التي ألقاها صاحب السيادة في إحتفال عيد حركة الشبيبة الأرثوذكسية السادس والستون بتاريخ 15/3/2008 في كنيسة القديس باسيليوس -حلبا
في إنجيل أحد الأرثوذكسية، تم لقاء بين الرب يسوع وبين فيلبس الذي أصبح من تلاميذه، من هذا اللقاء، ليس من الممكن أن تفهموا حركة الشبيبة الأرثوذكسية بأصالتها ملهمة من الروح القدس إلا إذا عرفتم فيها أن تسعوا الى الحضور أمام الرب يسوع المسيح، لذلك كان إحتفال عيدكم في صلاة، لأن هذا الحضور للرب يسوع المسيح حضور مهم وهو غاية حياتنا. أن نتحد به، أن نعيش بموجب كلمته، أليست هذه غايتكم؟ وإلا ماذا تفعلون؟ هل الغاية هي الإجتماع فقط؟ أنا لا أتصور ذلك. الذي يدخل الى الحركة فقط لإضاعة الوقت، أو أن يلتقي بقية الأعضاء دون أن يلاقي الرب يسوع المسيح، فهو على خطأ وسوف يخيب أمله. لكن من المؤكد أن نعمة الله سوف تساعده أن ينتبه أن وجوده في الحركة ليس فقط ليلتقي إجتماعياً مع أناس يرتاح لهم.
الحركة فيها لقاء –كما علم مؤسسوها- مع الرب يسوع المسيح، لذلك هذا هدفكم. وفيلبس إلتقى بالرب يسوع، ولكن عندما قال له إتبعني، لم يتبعه على الفور، لأنه فكّر أن هناك شخصاً ثانياً كان يسعى وإياه أن يفتشا الكتب المقدسة الموجودة ليجدا الرب يسوع المسيح. كان من الممكن أن يقول فيلبس أنا أتبعك فوراً، ولكنه ذهب ينادي نثنائيل، ولذلك إن كنتم تريدون أن تلاقوا المسيح، ليس من الممكن هذا دون أن تنادوا الجماعة الى هذا اللقاء مع الرب يسوع المسيح، وبنوع خاص من يضعهم الرب يسوع المسيح على طريقكم، لذلك أعرف أنا أن هناك سعياً في الحركة منذ تأسيسها الى المد الحركي، وهذا المد لا يعني زيادة العدد. المد الحركي هو أن تجعلوا كل من يمكن أن يكون في طريقكم أن يأتي ويقبل بالرب يسوع المسيح، وأن يتحد به مثلما تسعون أنتم، هذه هي غاية الحركة الأساسية. ولذلك يا أحبة ما أنتم تسعون إليه ليس فيه “يا رب نفسي” بل “أنا والآخرون”، ولكن كيف يتقبل الآخرون هذه الدعوة التي من قبلكم؟ أن يأتوا الى الرب يسوع وأن يشتركوا معكم في هذا الإتحاد فيه. سوف تسمعون أن فيلبس عندما ذهب لينادي نثنائيل ويقول له إننا وجدنا الرب يسوع الذي كنّا سوية نفتش عنه وهو من الناصرة. فيلبس يتحدث مع نثنائيل: يعني أن هناك شخصاً يتحدث مع شخص آخر، ليس هناك غسيل دماغ، نثنائيل لم يأت على “العمياني”، كان أول جواب له: “هل من الناصرة يخرج شيء صالح”؟ نرى هنا أن نثنائيل قد سكب مياه باردة على دعوة فيلبس، وكأن من الناصرة لا يمكن أن يخرج شيء صالح. إذاً هناك صعوبتان، صعوبة الشخص الثاني بحد ذاته، أنه ليس أنا، يعني أنه ليس مطابقاً لي.
يمكن أن تدعوا إنساناً الى العمل الروحي، إلى الإنجيل وتجده أنه لا يلبي دعوتكم، يمكن أن “تزعلوا” بأنه لماذا لم يقبل معنا، أنتم لستم تدعوه أن يكون لكم، أنتم تدعوه حتى تكونوا أنتم وإياه ليسوع المسيح، تتضايقوا، نعم! لأننا كلنا بشر، وإننا كنّا آملين أنه من كلمة واحدة يقدر أن نقنع هذا الإنسان، لكن لا تخافوا في العمل الجيد والجدي تعب، ولا ننسى أن الشخص الثاني ليس هو شخصنا. الله خلقنا جميعاً -أي الست مليارات من البشر على هذه الأرض- غير مطابقين لبعضنا البعض، ليس أحد طبق الأصل عن الثاني (هذا ما يقوله علماء البيولوجيا)، أي اتحدث الى الشخص الثاني الذي لديه أفكاره ولديه حريته، اي حرية أبناء الله التي نحن نؤمن بها كعنصر أساسي في حياتنا. هناك شيء آخر، هناك الإسقاط، هناك الضغط الذي ينتج عن المجتمع، هناك “القال والقيل”، هناك السابق التصور الذي يجعلنا نقول أن فلاناً ليس جيداً، هذا ما قاله نثنائيل، أن يسوع الذي تتكلم عنه من هو؟ طالما هو من الناصرة؟ يعني أن هذا الإسقاط يستخدمه نثنائيل ويواجه فيه فيلبس. فكانت النتيجة أن فيلبس قد صبر على كلام نثنائيل، لم يقل له “كما تريد أنت”، لا تريد أن تأتي “الله معك”، أنا اذهب لوحدي. فيلبس كان عنيداً، لأنه كان يريد أن يأتي نثنائيل معه، ولو أن نثنائيل كان قد برّد مسعاه. قال له كلمة واحدة “تعال وانظر”، لم يقل له تعال فقط، بل قال تعال وانظر، تعال وانظر من الذي أتحدث عنه، وأنت أحكم بعد ذلك في الأمر.
إذاً يا أحبة، عملنا هو في دعوة الآخرين، أولاً ليست هناك إمكانية إذا لم تكن هناك دعوة للآخرين، ليس لكي يأتوا الى عندكم، بل يجب أن ياتوا ليلتقوا بالرب يسوع المسيح، وأنتم تُؤمِنون لهم هذا الإطار الذي يُمَكنهم عملياً أن يروا الرب يسوع المسيح وأن يلاقوه. لكن كونوا متأكدين أن لا تأتوا بهم الى عندكم، يجب أن تأتوا بهم الى عند الرب يسوع المسيح، عندئذ يعمل الرب يسوع، عندما جاء نثنائيل اليه، ماذا كشف له؟ كشف له أنه يعرفه قبل أن يعرفه صديقه فيلبس، يعني أن صديقنا، أي الإنسان الآخر، عندما يأتي الى المسيح سوف يكتشف أن الرب يسوع يعرفه قبل أن نعرفه نحن، أكثر مما نحن نعرفه. هذا مهم جداً، يعني أن هناك تضحية كبيرة، هذا ليس “جرعة ماء”، إنتماؤكم الى حركة الشبيبة الأرثوذكسية بهذه الروحية التي سعت إليها، مدة ستة وستون سنة، وحاولت أن تحافظ عليها مع كل ضعفات أعضائها، والمد والجزر الذي يحصل، حافظت على شيء واحد، فقالت للإنسان إنك لم تأت إليّ حتى تنضم لي، ويصبح لي فريقاً، لا، أنت وأنا آتيان الى عند الرب يسوع المسيح، ويكشف لك الرب يسوع، وللذي أنت أتيت به، أنه يعرفه صميمياً، كما يقول بولس الرسول: “الذي فرزني وأنا مازلت في جوف أمي”، يعني أن الرب يعرفنا ونحن بعد في رحم أمهاتنا. لذلك ليس هناك خوف في علاقتنا مع الرب يسوع المسيح.
لكن يا احبائي، نرى أن الرب في آخر المقطع الإنجيلي، يقول لنثنائيل، سوف ترى أعظم من هذا، سوف ترى السماء مفتوحة، وملائكة الله تنزل وتصعد على ابن البشر.
يا أحبة، السماء مغلقة بسبب خطايانا، لكنها قد فتحت بمجيء ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح، لذلك سلاحنا الوحيد هو رفع أعيننا الى السماء بالصلاة الحارة، التي أتمنى أن تكون دائما في حياتي وحياتكم، حتى يقوينا الله ويقويكم في أن نكمل الطريق. كونوا رجال ونساء صلاة، يجب أن تكون في حياتكم هذه المهمتان، التعرف الى الرب يسوع المسيح بمطالعة كلمته الإلهية، بمطالعة ما قاله الآباء القديسون، وبالوقت نفسه الصلاة، صلوا بلا ملل، الصلاة متعبة، ليست سهلة، وإن كان الواحد يفرح فيها، لكنها متعبة وأحياناً نتعرض للملل. نطلب من الله أن يعطينا جميعاً أن تظل أعيننا مرفوعة الى السماء، لأنه بها يفتقدنا الرب يسوع المسيح.
اكرر دعائي أن يحفظكم الرب بصلوات الإخوة الآباء، وأن يقويكم جميعاً، كل عام وأنتم بخير.
نشرة البشارة
الأحد 30 آذار 2008
العدد 13