نور التجلّي – المطران جورج (خضر)

mjoa Saturday August 5, 2017 334

أخذ السيّد بطرس ويعقوب ويوحنّا إلى جبل عالٍ، لعلّه ثابور في الجليل ولعلّه حرمون أي جبل الشيخ. هناك أظهر لهم ما لم يستطيعوا أن يدركوه حقًّا، أظهر مجده، مجدًا كان له وفيه ولكنّه كان محجوبًا، وهو قد حجبه عن قصد. لم يردْ يسوع أن يبهر البشريّة بمجده فأخفاه حتّى يتصرّف بيننا كواحد منّا، وحتّى نصل نحن إلى مجده في آخر مطافنا على الأرض. إذا رأينا الصليب، هناك يتجلّى لنا مجده، وإذا شاهدنا القيامة ففيها يسطع مجده. قبل ذلك كان لا بدّ له من أن يحتجب، ولكنّه مع ذلك أراد أن يبيّن للتلاميذ أنّه المظهر الحقيقيّ لله، أنّه الابن الوحيد. ولهذا جاء بإيليّا وموسى من الفردوس، من راحتهما، ليكشف للبشريّة أنّ شريعة موسى قد انقرضت وأنّ اليهوديّة زالت. إذا سطع مجد المسيح فمجد موسى باهت. وإذا تجلّى نوره فنوره يهبنا أن نفهم النبوءات ممثّلة بإيليّا.

بتجلّيه لمّح يسوع للرسل أنّ النبوءة قد تمّت فيه، وأنّه هو المُرتَجى وتاليًا لسنا بحاجة إلى نبوءة، لأنّ كلّ ما قاله الأنبياء قاله هو إذ أوضح على الصليب أنّ الله محبّة وأظهر ذلك بموته.

أمّا بطرس فعندما رأى هذا المشهد الكبير قال: «حسنٌ أن نكون ههنا وإن شئتَ فلنصنعْ هنا ثلاث مظالّ واحدة لك وواحدة لموسى وواحدة لإيليّا». لم يقبل يسوع هذا العرض. رفض أن يقيموا على الجبل لأنّ جبل التجلّي كان مرحلة للموت. الموت مهمّ والأهمّ القيامة. ولهذا قال السيّد لبطرس: يا بطرس، انت لا تعلم ما تقول. لا يجوز لك أن تطلب المجد هكذا بصورة هيّنة رخيصة.

المجد لا يُعطى إلاّ للذي كان مستعدًّا للموت. المجد الذي يحكي الناس عنه ويطلبونه بعضهم من بعض، مجد رخيص. يسوع لم يأت لمثل هذا المجد. أعطى الناس مجدًا آخر، مجدًا من إيمانهم ومن محبّتهم للآب. أعطاهم مجدًا محجوبًا.

الكبار الأكابر، المحظيّون عند ربّهم، الوجهاء في الملكوت، هؤلاء لا يعرفون أحدًا وليست لهم قصور ولا يظهرون ولا يتكلّم الناس عليهم هؤلاء أصحاب المجد الحقيقيّ. الفقراء أصحاب المجد، المُضطَهدون أصحاب المجد، الجهّال الذين لا يقرأون ولا يكتبون إذا كانوا للمسيح فهم المُمَجّدون. وأمّا الذين يدّعون الثقافة، الذين ليس لهم إلاّ الانتفاخ فهؤلاء لا يرثون مجد الملكوت. الذكيّ لا يصعد إلى السماء لكونه ذكيًّا ولكن لكونه متواضعًا وعفيفًا ومحبًّا للسيّد ومحبًّا للفقراء.

قال يسوع لبطرس: أنا سأعطيك مجدًا من فوق الخشبة، بالدم، بالموت المرتضى، بموت الشهادة. من كان للمسيح حقًّا يموت شهيدًا كما مات بطرس، يُضرَب ولا يضرب أحدًا، يُذَلّ ولا يَذِلّ أحدًا. المسيح يسوع لم يدّع، لم يتظاهر بالمجد. ماتَ بموت قَبِله بالطاعة للآب.

الله يريد أن يتجلّى في حياتنا، أن يصبح وجه كلّ إنسان لامعًا كالشمس، أن يصبح المسيح مرسومًا على وجوهنا، على وجه كلّ واحد منّا لأنّه يحيا بموجب الإنجيل ويصير مسيحًا.

جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)

نشرة رعيتي

٦ آب ٢٠١٧

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share