الخلاص شأن الله وحده

الأب جورج مسّوح Saturday January 6, 2018 215

حين سأل تلاميذ يسوع معلّمهم: “مَن يستطيع إذًا أن يخلص؟”، أجابهم بوضوح: “أمّا عند الناس فلا يستطاع هذا، وأمّا عند الله فكلّ شيء مستطاع” (متّى 19، 10-11). جواب يسوع أتى في سياق الحوار مع شاب ثريّ جدًّا يلتزم الشريعة كلّها وينفذّها بحذافيرها، غير أنّ يسوع طلب إليه بالإضافة إلى تنفيذه الوصايا أن يوزّع أمواله على الفقراء وأن يتبع يسوع، “لـمّا سمع الشاب هذا الكلام مضى حزينًا جدًّا لأنّه كان ذا مال كثير”.

تنفيذ الشريعة بما فيها من وصايا وأخلاقيّات عامّة غير كافٍ كي يحصل الإنسان على الخلاص، ذلك أنّ المطلوب أن يكون الإنسان أسمى من أن يحدّ نفسه بتنفيذ بعض الوصايا. المطلوب أن يكون الإنسان كاملاً فيتجاوز الوصايا إلى فعل المحبّة المجّانيّ. الوصايا باتت، بعد يسوع، من البديهيّات كي يتمرّس عليها مَن هم جدد في حياتهم الروحيّة والعمليّة، لكن مع تقدّم المؤمنين في حياتهم الروحيّة تحلّ محلّ الوصايا المحبّةُ حيث العطاء المجّانيّ والتضحية والبذل. معيار الخلاص بعد مجيء يسوع المسيح ليس تنفيذ الوصايا وحسب، بل ممارسة المحبّة المجّانيّة.

يقول القدّيس بولس الرسول في رسالته إلى أهل غلاطية: “ما من أحد يتبرّر عند الله بالشريعة … فصارت لنا الشريعة مربّيًا يقودنا إلى المسيح” (غلاطية 3، 11 و24). واضح، إذًا، أنّ الخلاص ليس مرتبطًا بشكل آليّ بتنفيذ الشريعة وما فيها من أحكام ووصايا. الخلاص هو شأن الله وليس شأننا نحن البشر. “مَن يخلص؟” سؤال لا يجيب عنه سوى الله وحده “أمّا عند الناس فلا يستطاع هذا، وأمّا عند الله فكلّ شيء مستطاع”. لو تُرك أمر البتّ بالخلاص في أيدي البشر، لكانت الكارثة الكبرى، فكلّ إنسان إنّما كان ليحكم على الآخرين بالخلاص أو بالهلاك وفق أهوائه وأحقاده، وليس بناءً على ما يقوله الإنجيل والربّ يسوع المسيح.

في الواقع الراهن، ما زال ثمّة مَن يحصر الخلاص بأمّته، أو بكنيسته، أو بمذهبه… يجلس على عرش الله ويدين فلانًا بإنزاله إلى الجحيم الأبديّ، ويرسل فلانًا آخر إلى الملكوت. أليس الإنسان كتلة من المشاعر الإيجابيّة والسلبيّة؟ فكيف يمكن لإنسان تحكمه غرائزه المتوارثة وأحقاده وخيباته وانفعالاته الآنية أن يحكم بعدل على الآخرين وخلاصهم أو هلاكهم؟ لذلك، ليس للإنسان أن يدين أحدًا، بل أن يصلّي من أجل خلاص نفسه ومَن ينتمي وإيّاهم إلى جماعة إيمانيّة واحدة. أمّا المرتجى فهو أن يصلّي من أجل خلاص كلّ العالم وليس من أجل جزء منه وحسب.

عند حديثنا عن الخلاص لا بدّ من الانتباه إلى أنّ حظوظنا ليست أفضل من حظوظ سوانا. فثمّة مَن يتفوّقون علينا بصنعهم المحبّة وبعطائهم غير المحدود. لن يسألنا الله في يوم الدينونة عن انتماءاتنا الدينيّة والمذهبيّة ومدى التزامنا بالأحكام والوصايا، فهذه وُضعت لتأديبنا وإرشادنا إلى الحقّ، بل سيسألنا: “أرني أين أحببت أخاك”. وعلى الرغم من خطايا البشر، مهما فعلوا من الصلاح، يبقى الحكم النهائيّ الحصريّ لله وحده: “أمّا عند الله فكلّ شيء مستطاع”. هذا هو القول الفصل، وليس ثمّة سواه.

الأب جورج مسّوح

“النهار”،6 كانون الثاني 2018

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share