نعمة التواضع – المطران جورج (خضر)

نشرة رعيتي Friday January 26, 2018 887

نستهلّ اليوم فترة طقوسيّة، فترة التريودي، تقودنا إلى الصيام المبارك. تُسمّى تريودي نسبة إلى الكتاب الذي نستعمله في هذه الفترة، أي من هذا الأحد، أحد الفرّيسيّ والعشّار إلى سبت النور. كلمة تريودي يونانيّة وتعني القصائد الثلاث، وتتعلّق بالموسيقى والترتيل.

تَلَت علينا الكنيسة المقدّسة اليوم فصلاً من بشارة القدّيس لوقا يتعلّق بشخصين متناقضين في السيرة، أحدهما ذلك الفرّيسيّ الذي كان ينتمي إلى جماعة دينيّة، يدلّ اسمها على أنّهم كانوا قومًا يفرزون أنفسهم عن الناس ويؤثرون سيرتهم على سيرة الناس، وكانوا علماء ومفسّري الكتاب، وكانوا يأتون بفتاوى يضيّقون بها تعليم الكتاب، ويُلزمون الناس بما لم يلزمهم به الله. كانوا مستقيمي الرأي بالكلّيّة من حيث العقيدة، إذ كانوا يؤمنون بالقيامة وغيرهم لم يكن يؤمن بالقيامة، ولكنّ مسالكهم كانت مسالك رياء.

في هذا المثل من الإنجيل، جاء واحد منهم إلى الهيكل يتبجّح ويفتخر بأنّه ليس كذلك العشّار الخاطئ. فالعشّارون كانوا جباة الضريبة يلتزمون ضريبة المدينة كلّها ويفرضون على الأفراد ما لا يطيقون، أي أنّهم كانوا تحديدًا سارقين.

كان للفرّيسيّ الحقّ في أن يقول إنّه كان مسلكيًّا خيرًا من العشّار، إلاّ أنّ الربّ رفض له حقّ التفاخر بالتقوى، فإنّها من فضل ربّك وهي نعمة ينعم عليك بها وما أنت إلاّ وعاء تتقبّل كرم الله.

«إنّي أصوم مرّتين في الأسبوع». هذا لم يكن مفروضًا ولكن كان من الزوائد التي وضعها الفرّيسيّون. كانوا يصومون يومين في الأسبوع، وهذا غير وارد في شريعة موسى. ثمّ كانوا يعشرّون كلّ أموالهم، أي يعطون العشر من أموالهم وهذا لم يكن مطلوبًا في الناموس.

الرجل الآخر كان واقفًا في الهيكل ويعرف أنّه لا شيء، يعرف أنّ الله وحده قادر على أن يحوّل هذا العدم إلى وجود. لذلك انسحق أمام ربّه قائلاً: «يا الله ارحمني أنا الخاطئ». انطلقت هذه العبارة وصارت دعاء مستمرًّا في الرهبانيّة الشرقيّة إذ نقول: «يا يسوع المسيح ابن الله ارحمني أنا الخاطئ» ونردّدها. تقول كنيستنا إنّ عبارة العشّار هذه يستعيض بها الإنسان عن أيّ صلاة وعن أيّة عبادة، إن لم تتوفّر له أسباب الصلاة في الكنيسة.

هذا الرجل السارق التائب إلى ربّه جعله المسيح اليوم قدوة لنا. والمسيح غفر لكثيرين من الخطأة.

الإنسان عابد لربّه أو عابد لنفسه، ولا مجال لهاتين العبادتين في نفس واحدة. من عرف نفسه حقًّا يعرف أنّه لا شيء وأنّه مخلوق النعمة. نحن ثمار العطاء الإلهيّ وتعبر النعمة بنا. ليس لنا فضل في اقتنائها، وجهادنا عينه هو أيضًا من نعمة الربّ ونحن له شاكرون.

ولذا قال آباؤنا إنّ الصلاة أمّ الفضائل. بنعمة التواضع نعرف أنّنا لا نستحقّ شيئًا وأنّ الله يرفعنا ويوجدنا. فإذا انسحقنا أمامه في كلّ حين ولم ننسب إلى أنفسنا فضلاّ ما، إذا انكسرنا أمامه يرفعنا هو إلى وجهه الكريم.

جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)

نشرة رعيتي

28 كانون الثاني 2018

86 Shares
86 Shares
Tweet
Share86