كنز الإنسان – المطران جورج (خضر)

نشرة رعيتي Thursday February 15, 2018 1107

«حيث تكون كنوزكم هناك تكون قلوبكم»، هذه خاتمة الفصل الإنجيليّ الذي تقرأه الكنيسة اليوم، لتهيّئنا للصوم غدًا. وكأنّ الغاية كلّها من الجهاد الصياميّ أن نتدرّب على أنّ الربّ هو كنزنا، فإذا ما صار حقًّا كنزنا تكون قلوبنا معلّقة به.

ما كنز الإنسان؟ ماذا يحبّ؟ طبعًا يحب الجسد، الشيء الذي يتّصل به عندما يولد، ويبقى حتّى عشيّة دفنه في القبر متعلّقًا به. به يرى، به يسمع ويحسّ ويتناسل. قوّة رهيبة عاصفة تحرّك الكون. الجسد إذًا شيء نتعلّق به. كلّ منا متعلّق بجسده، هذا بمقدار وذاك بمقدار. يأتي الصوم ويقول لنا ألغوا كلّ هذا. الإنسان متعلّق بجسده لأنّه لا يحبّ أن يموت. المؤمن يحبّ أن يموت لأنّه يلتقي بالمسيح معشوقه.

لهذا نكّف عن الطعام حتّى نضرب سلطان الجسد علينا لنصبح نحن متسلّطين عليه.

ماذا يحبّ الإنسان أيضًا؟ المال، الناس كلّهم متعلّقون بالمال. القدّيسون لا يحبّون المال، يدوسونه تحت أقدامهم. ولهذا قال الربّ: «لا تكنزوا لكم كنوزًا على الأرض» بمعنى ألاّ تكون قلوبكم متعلّقة بالمال. المقصود بذلك أنّه حتّى لو جمعتم المال ألاّ تحبّوه ولا تشتهوه ولا يكون متملّكًا على قلوبكم. أن تبقى قلوبكم حرّة. الكلّ بحاجة إلى المال ولم يقل الربّ يجب أن تكونوا فقراء، لكنّه قال ألاّ نتعلّق بالمال وألاّ نسمح له بأن يتسلّط علينا.

الإنسان قيمته في أنّه حبيب المسيح وأنّه يحاول تنفيذ الإنجيل فقط. إذًا نوفّر المال ونعطيه للفقير. هذه كانت الغاية الأولى من الصوم في مطلع المسيحيّة.

الشيء الثالث الذي يحبّه الإنسان ويتعلّق به هو السلطة، حبّ المجد، حبّ الظهور، حبّ التحكّم في الناس. يسوع عندما واجه الشيطان في البرّيّة، قال له إبليس أعطيك كلّ ممالك الأرض طرده يسوع من أمام وجهه. يسوع لا يريد أن يكون ملكًا كالملوك، يريد أن يكون ملكًا على القلوب. وحصل على هذا الملك بالصلب. عندما أحبّ صار ملكًا.

إذًا نتروّض على التواضع عندما نذلّ الجسد ونذلّ معه النفس الأمّارة بالسوء، الطامعة، المتحكّمة في الناس. علينا أن نتعلّم أنّ ما نرغب فيه قد لا يتحقّق، وعلينا أن نتعلّم ألاّ نتمسّك بأيّ رأي إلاّ إذا كان متعلّقًا بالمسيح، بالعقيدة والإيمان وما هو غير هذا باطل.

يجب أن نكفّ عن التعلّق برأينا. التنكّر للرأي الخاطئ أو الاستقلال عن الرأي الخاطئ، هكذا نكون سائرين مع السيّد حتّى الفصح لنتمكّن من رؤية نوره.

نحن والذين سبقونا إلى السماء معًا نستقبل المسيح. هم ذهبوا إلى ضيائه ولهذا ذكرناهم الأسبوع الماضي في سبت الأموات، حتّى نوحي إلى أنفسنا بأنّنا وإيّاهم كنيسة واحدة.

نتروّض في الصوم لنصل إلى رؤية مجد القيامة بالحبّ. إن بقيت المحبّة في قلوبنا وهذّبتها ولطّفتها، هي تسير بنا إلى الفصح الذي نرتجيه.

جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)

نشرة رعيتي

18 شباط 2018

103 Shares
103 Shares
Tweet
Share103