لمناسبة الذِّكرى العاشرة لانتقال المُثلّث الرحمات المطران بولس (بندلي) وبرعاية وحضور متروبوليت طرابلس والكورة وتوابعهما للروم الأرثوذكس أفرام (كرياكوس)، نظّمت لجنة العمل الرعائي في مركز طرابلس لحركة الشّبيبة الأرثوذكسيّة نُدوةً بعنوان “المطران بولس بندلي كمِثالٍ لِلرّاعي الصّالح” تحدّث فيها كلٌّ من الأخت سميرة ناصيف نجار، الشمّاس نكتاريوس إبراهيم والأخ رينيه أنطون. أدار الندوة الأخ نقولا بو شاهين.
وذلك مساء السّبت الواقع فيه 17 شباط 2018 في كنيسة التجلّي – شكّا.
إفتُتحت الندوة بصلاة الغروب الّتي ترأسها صاحب السّيادة المطران أفرام وعاونه قدس الأب إبراهيم شاهين كاهن رعية شكا بحضور الآباء توفيق فاضل (كاهن رعيّة كفرحزير)، جبران اللّاطي (كاهن رعيّة قلحات)، نقولا رملاوي (كاهن رعيّة المنية) والشمامسة الياس بركات، بشارة عطالله ونكتاريوس إبراهيم، الأخت ميرنا عبّود رئيسة مركز طرابلس وعدد من الإخوة الحركيّين من فروعٍ المركز و مركز عكّار.
بدءً: رحّب الأخ نقولا بالحضور وركّز على أنّ المنطلق الأساس لرعاية حقيقية هي “المحبة” محبّة للربّ بلا حدود، وما هذه المحبّة سوى تلك الّتي تُعطي ولا تطلب لنفسها شيئًا. إنّها المحبّة الّتي تبذل كلّ شيء في سبيل الإخوةِ – إخوة يسوع حتى الدّم. “وهل من حبٍّ أعظمَ من هذا أن يبذل الإنسان نفسه عن أحبّائه؟” بولس بندلي جسّد هذه المحبّة فبذل نفسه وكلّ ما أعطاه ربُّه في سبيل الإنسان. كان يعمل نهارًا وليلاً بدون كللٍ أو مللٍ مُهيّئًا النّفوس والقلوب مطارح لِسكنى الإله، مُردّدًا مع مَن سبقه من الآباء القدّيسين: “لا أعرف حياة أخرى سواكم والعنايةِ بالنّفوس”، وأيضاً “هذا هو همُّنا الوحيد نهارًا وليلاً، أن تصيروا كلُّكم قدّيسين وكاملين. لذلك تنحَّوا عن أهوائكم وحاكُوا القدّيسين، الّذين كانوا أُناسًا كما نحن”.
وأننا في ايّامنا هذه نفتقد لقلّة الأشخاص “القدوة” القدوة الحيّة، فلا يكفي أن نعرف الكُتب المقدّسة، المهمّ أن نحيا بِمقتضى هذه الكتب كي يستحيل كلٌّ منّا إنجيلاً…” كما كان المطران بولس بندلي الّذي لم لم يكن مثالاً فقط لكنّه استحال إنجيلاً حيًّا مردّدًا في ذاته مع شفيعه بولس الرّسول: “لست أنا أحيا بل المسيح يحيا فيَّ” ولهذا استطاع أن ينقل يسوع إلى قلب كلّ من عرفه أو مرّ به.
وأرضح أنّ لجنة العمل الرّعائي في مركز طرابلس لِحركة الشبيبة الأرثوذكسيّة، شاءت أن يكون عملها لِهذه السّنة تسليط الضوء على الوجه الرّعائيّ للمطران بولس بندلي واتّخذت له عنوانًا “المطران بولس بندلي كمثال الراعي الصّالح”. وأنّ هذه الأمسية هي باكورة لقاءات مُقبلة إن شاء الله. مُبتغانا أن نتعلّمَ بعضًا من أعمال البرّ وحياة الصّلاة الدّائمة الّتي كان يحياها “رجل الله” المطران بولس هذا الّذي انتقل عنّا الى “حيث لحن المُعيّدين الّذي لا يفتر” مُجاهدين لكي نحياها في حياتنا.
وشدّد على أننا لا “نُريد حرق المراحلِ أو أنّنا – لا سمح الله – نُريد إعلان قداسة “رجل الله” بولس بندلي، مُتجاوزين المجمع الأنطاكيّ المقدّس الّذي له وحده رسميًّا أن يُعلن القداسةَ مع الأخذِ بعين الإعتبار بلا شكٍّ، “نبض الشّعب المؤمن وإحساسه”. مستشهدًا ببعضٍ ممّا كتبه أخونا الحبيب إيلي الحاج عبيد رحمه الله بهذا الخصوص: “… فبين أن يتحرّك وجداننا بدفع الحياة التّقديسيّة الّتي اختبرها آباءٌ لنا وإخوة وأخوات… وبين تكريس هذه القداسة بنتيجة مسارٍ كنسيّ لا بُدّ من أن يستوفيَ مراحله، مسافةٌ لا بدّ من احترامها احترامًا، وإجلالاً لما نحن نرجو تحقيقه بإذن الرّبّ”.
********
الأخت سميرة ناصيف نجار الّتي جمعتها بالمطران بولس خبرةُ حياةٍ طويلةٌ تعود إلى يومَ انضمّت إلى صفوف النهضة في أسرة الطلّاب في حركة الشّبيبة الأرثوذكسيّة الأمر الّذي كان له الأثر الكبيرُ في التزامها حياةَ الكنيسة وأسرارها فركّزت في مداخلتها على شخص المطران بولس “نبعٌ من المحبّة، فيضٌ من العطاء، مثالٌ ومعلّمٌ كبيرٌ للتّواضع والصّبرِ والتّفاني، مدرسةٌ في التّقوى ونكرانِ الذّات، مسامحٌ غفورٌ، لاهوتيٌ ببساطة، أيقونةٌ ناطقةٌ، هكذا عَرَفنا الأب بولس بندلي منذُ ما يقاربُ النّصفُ قرن. ترك في نفوسنا بصماتٍ لا تُمحى. هو قيصر! الّذي ترك مملكةَ قيصر وسلكَ دروب الرّبِّ مُبشّرًا، مُتلمذًا وبنَّاءً حكيمًا…” فَالرِّعايةُ بنظرهِ حبٌ لله وحبٌ للنّاسٌ يتقاطعانِ صليبًا والصّليب ظهرَ جليًّا في المطران بولس فكان سِمتَهُ المميّزة وطابِعَ حياتِهِ…”
ونوّهت كم كان «يُشجّعهم على الخلوات الرّوحيّة وزيارة الأديرة و يذكّرهم دائمًا أنّه عليهم أن يحملوا المسيح في عملِهم، في سلوكهم، في مدرستهم، في متجرهم وفي كلّ تصرّفاتِهم. كما اهتمّ بتدريس طلّاب البكالوريا ضمن اختصاصه عند حلول الإمتحانات الرسمية. فرِحاً دائماً، لا يغضب، لم تفارقهُ الإبتسامة فكانت تُنيرُ وجهَهُ. لم يُهمِل اللّياقات الإجتماعيّة ويعتبر أنّه دائمًا مُقصِّر رغمَ أنّه لم يُقصّر أبدًا وعبارة “لا تواخذوني بعتذر” دائمًا على شفتيه».
وختمت حديثها بِقولِها : « لا يُمكننا أن نختصرَ في سطورٍ ولا في صفحاتٍ المُطران الأب بولس بندلي. هو شمعةٌ ذابت لِتُنير دروبَ النّاس وتَقودَهم إلى معرفة الحقّ.
*****
أمّا الشمّاس نكتاريوس إبراهيم فاستذكر المرحلة الّتي رافق خلالها المُطران بولس استذكر مركّزًا على مزاياه الروحيّة والإجتماعية. صحيح أنّه رافقه فترة قصيرة نسبياً، لكنّه تعلّم الكثير منه.
وتطرّق الى الدّور الّذي لعبه سيادته في ظلّ عدم وجود التّعليم في الرّعايا، «حيث أخذ دور المُعلّم والمُرتّل والقندلفت وحاول بقدر استطاعته بُغية عدم حرمان أي رعيّة من الأسرار المُقدّسة إلى درجة إقامة 3 أو 4 قداديس في اليوم الواحد مُتنقّلاً بين الرّعايا ببدلته الأُسقفيّة… في مُقابل تواضع سيادته وتهذيبه ونكران ذاته، كان مُتمسِّكًا بِالايمان الأرثوذكسيّ والعقيدة دون تعصّب، فضلاً عن الكمّ الهائل من المحبّة الّتي زرعها في قلوب أبناء أبرشيّة عكّار خصوصًا في حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة الّتي كانت تربطه علاقةٌ أبويّةٌ مع أعضائها وجميع أبناء الرّعايا الّذين كان يفرح جدًّا عندما يقصدون دار المطرانيّة للقائه » .
ختامًا مداخلة للأخ رينيه أنطون استهلّها موضحًا أنّناعندما نضيء على سمات وحضور قامات في الايمان فإنّما ذلك ليس بهدف تكريمها، المطران بولس وغيره، يتكرّمون بوجه الرّبّ الّذي لا تكريم بعده، وليس بهدف الحثّ على إعلان قداسة أيّ شخص فهذا شأن يخصّ، كما قيل الآن، ضمير الجماعة والمجمع المقدّس. نحن نضيء على سيرته لنعلن أمرًا واحدًا هو أنّ الإنجيل، في العالم، يعاش. وهو أمرٌ ليس بالشّأن بالمستحيل، نعلنه لأنفسنا أشخاصًا وجماعةً تحفيزًا وتشديدًا لنا في مواجهة الضّعفات وتخطّيها. فالمطران بولس، هو بشريّ مثلنا، لايختلف عن أي إنسان منّا بشيء. هو يأكل ويشرب ويجوع ويعطش ويغضب ويضعف وينفعل ويفرح ويحزن ويشتهي ويتمنّى. وكلّ من عرفه عن قرب شهد في لحظة أو موقف ما يدلّ على هذا، فإن اختلف عنّا بشكل يدعونا للحديث عنه دائمَا فذلك ليس إلّا لسببٍ واحدٍ ، وهو أنّ تفاعله مع يسوع المسيح وإنجيله، تلقّيه للكلمة، اختلف عن تفاعلنا ومعظم البشر معه. هو ببساطة صدٌق وعد الرّبّ بشكلٍ مطلقٍ، وثق بالله، صدّق الإنجيل. وهذا أمرٌ ليس بعاديّ أبدًا. فكلّ منّا يعرف، لحظة يختلي إلى نفسه، كم أنّه كثيرًا ما يستسهل الإستسلام للضّعفات أمام الارتقاء إلى تصديق الانجيل. هذا هو سرّ قوّته الجهاديّة… «لا نستطيع أن نتحدّث عن بولس بندلي الرّاعي دون بولس بندلي المتجاوز لذاته الفقير والوديع والمعطي المتخلّي والخادم المبشّر بهذا التنازل. فكلّ هذه الوجوه تساوت، في شخوصنا، إليه بالتّطرّف الإنجيليّ الّذي أحاطها.
وهذا ما جعل الرّعاية حاضرة حيث حضر، بالمُثل الّتي تشعّ منه، وإن لم يتحرّك أو يتكلّم».
كما ركّز على أن: «غاية الرّعاية ليست أن نأتي بالنّاس إلى خدم الكنيسة وأصوامها وقوانينها، بل أن نأتي بالله إلى القلوب، قلب كلّ شخص وعائلة، لتتحرّك، بحرّيتها، نحو النّموّ في المحبّة الإلهيّة عبر التزام الحياة الكنسيّة بوجوهها كافّة.
تجدون الكلمة كاملة على الرابط التالي: https://mjoa.org/?p=26390