الأيّام الطيّبة الأخيرة التي مضت كانت مفعمة بمعاني الفصح. ولمّا عاينّا المسيح مصلوبًا فهمنا أنّه تغلّب على الموت وأنّه داس الخطيئة. بهذا نحن معنيّون لأنّه غلب موتنا وليس موته وما كانت فيه الخطيئة. رُفع على الخشبة لكي نحيا نحن لا لكي يحيا هو، هو حيّ.
الجهد الذي أتمنّى أن نقوم به هو أن تشدّوا المسيح إليكم، لا أن تتكلّموا على آلامه وقيامته كأنّها قصّة جرت وأُغنية غنِّيت، هذا لا ينفعنا شيئًا. أن تأخذوا المسيح إليكم، أن تجعلوا انتصاره انتصاركم وحياته حياتكم وإلاّ يكون بلا نفع. نحن نعيش في فصام رهيب قتّال، المسيحيّة حكاية جميلة تُحكى. تقولون إنّ المسيحيّة ديانة لا يدركها أحد، لا يستطيع أحد أن ينفّذها. المسيحيّة ليست لتُنَفّذ. تقولون المسيحيّة صعبة، صعبة لأنّكم لا تمارسونها، لا تحيونها يوميًّا، لا تُصلّون.
قليلون من الأرثوذكسيّين يصلّون اليوم في الكنائس. إن كنتم فصحيّين تذهبون اليوم إلى أهاليكم وإلى بيوتكم وتهزّونهم وتصرخون في وجوههم لماذا ناموا وأنتم تصلّون، لماذا يهتمّون بتهيئة الطعام، تهزّونهم، تحرّكونهم لكي يصيروا بشرًا جددًا فصحيّين يفرحون بالقائم من بين الأموات.
لكن لننسَ الروم الأرثوذكس الذين لا يصلّون اليوم، إنّهم بشر أشقياء، تعلّمهم ولا يتعلّمون، تصلّي فيهم ولا يصلّون، ولكن يدغدغهم مجدهم هذا الذي كانوا عليه منذ خمسمئة سنة عندما سقطت القسطنطينيّة. شعبنا شعب يعيش بالأمجاد الغابرة.
لكن لننسَ هذا ولنأتِ إلى يسوع لنحبّه. تعالوا معي إليه، إلى هذا الحيّ الغالب وحده، القائم فوق العالم وفوق شهواتنا ورغباتنا وخصاماتنا وسخافاتنا وضيقنا. تعالوا لنرتفع إليه ونقول له إنّنا عاشقون له، أو أنّه يجذبنا ونرجو أن نصبح عاشقين له. تعالوا لنقول له: أنت قمت من بين الأموات ونحن نحقّق هذا، لا حدثًا يُروى في صحف الناس، ولكن حقيقة تنغرس في لحمنا ودمنا.
تعالوا إليه لنقول له إنّ هذا اللحم الذي فينا والعظام التي نحن فيها ما عادت لحمًا بشريًّا بعد أن سكنها جسدك، وهذه العظام لم تبقَ عظامًا بشريّة بعد أن قلت لنا إنّنا ذرّيّة إله، لحمك لحمنا، عظامك عظامنا، دمك بعد أن أخذناه من الكأس المقدّسة جعلنا بشرًا جددًا، ونحن نؤمن بأنّك تقيمنا من بين الأموات.
سوف تقومون، ولكنّ القصّة، كلّ القصّة أن نقوم الآن من خطايانا وسهواتنا وشهواتنا أو أن نريد القيامة وأن نسعى إليها. أما سمعتم قوله: أنا هو القيامة والحياة، من آمن بي وإن مات فسيحيا.
ليعاهد كلّ منّا يسوع اليوم على أنّه يريد أن يصير إنسانًا جديدًا، لنقول له إنّنا آتون إلى الكنيسة، وإنّنا لا نرضى بعد اليوم أن نكون مسيحيّين أرثوذكسيّين بالاسم فقط، وإنّنا قرّرنا أن نغرز هذا في اللحم والعظام. كنّا نظنّ أنّ النور الذي انبلج من القبر على محيّاك تمّ هناك في أورشليم منذ ألفي سنة، أمّا إذا دخلنا في العهد اليوم، عهد الأمانة والحبّ والإخلاص والطاعة، فنقول له الآن: أبصرنا نورك فينا، نورك فينا هذا كلّ شيء.
إن انسكب النور هذا عليكم فقولوا ليسوع شكرًا، وإن لم ينسكب فالتمسوه لأنّكم إن لم تصيروا فصحيّين فأنتم من هذه الأرض، وأمّا إذا صرتم فصحيّين فأنتم من السماء. اختاروا أن تبقوا من الأرض أو من السماء.
المطران جاورجيوس