الماء الحيّ – المطران جورج (خضر)

نشرة رعيتي Tuesday May 8, 2018 1022

يقول الإنجيل إنّ السيّد لمّا كان مزمعًا أن ينتقل من اليهوديّة إلى الجليل، كان لا بدّ له من أن يمرّ بالسامرة. هذا ليس صحيحًا من الناحية الجغرافيّة إذ كان بإمكانه أن يعبر من الشرق، وقول الكتاب إنّ لا بدّ له من أن يمرّ بالسامرة قد يعني أنّه لا بدّ له من أن يلتقي بهذه المرأة إلى قوم لا يخالطهم اليهود.

يسوع يعبر هذا الحاجز بينه وبين السامريّين ويكلّم إنسانًا غريبًا. كلّنا غريب على هذه الأرض، وليس من أصليّ ومن غير أصليّ، كلّنا ضيوف على الله. بعد المسيح ليس من غريب، لكلّ حقّه في الحياة ولكلّ حقّه بالحقيقة. هذا ما جهر به المعلّم. ثمّ اجتاز حاجزًا آخر وهو أنّه لم يكن لمعلّمي الدين الحقّ في أن يكلّموا امرأة في الطريق. قال يسوع ليس من رجل ولا من امرأة. جعل رسوله بولس يقول بصراحة: «ليس يهوديّ ولا يونانيّ، ليس عبد ولا حرّ، ليس ذكر ولا أنثى لأنّكم جميعًا واحد بالمسيح يسوع» (غلاطية ٣: ٢٨).

يطلب السيّد ماء من المرأة السامريّة والموضوع موضوع ماء. «من يشرب من الماء الذي أنا أُعطيه فلن يعطش إلى الأبد». نقلها من ماء ملموس إلى ماء آخر غير منظور. أنا معطي الماء، أنا الينبوع الجديد. الماء الذي أعطيه لمن يحبّني يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبديّة. لا يقول إنّ هناك ينبوعًا واحدًا يبقى إلى الأبد وأنتم تستقون منه. لا يقول يسوع إنّ المسيحيّة كتاب تكرّرونه وتجترّونه، ولم يقل إنّ المسيحيّة طقوس تدخلون فيها وتتعبّدون لها، لكنّه قال: كلّ منكم ينبوع،  مجريًا أمور الله وحكمة الله وقوّة الله في الكون.

مصيبة المسيحيّين أنّهم يعتقدون أنّهم غنم يُساقون ويردّدون كلامًا، وأنّهم جاؤوا ليتعبّدوا، ليستسلموا صابرين قابعين. مصيبتهم أنّهم يحسبون أنّ هناك طقوسًا تجري في الهيكل بالاستقلال عنهم، يسمعون منها ما يستطيعون، ولكنّها بعيدة عنهم. السيّد لم يقل هذا، قال: كلّ منكم هيكل، كلّ منكم صلاة، كلّ منكم سيّد، كلّ منكم كنيسة. لماذا تحسبون الأشياء بعيدة، مستقلّة عنكم.

قال يسوع للسامريّة: أنت ستصبحين ينبوع ماء وكلّ من يقرأ هذا الكتاب. المسيحيّة ليست تلاوة كتاب. المسيحيّة أن يصير كلّ منّا كتابًا. المسيحيّ يفتح الإنجيل لكي يصير إنجيلاً، فمن رآه يقرأ كتاب الله. مَن لا يقرأ في كلّ منكم إنجيل المسيح فكأنّ المسيح لم يأتِ ولم يفعل، ولم يحوّلكم وبقيت مسيحيّته كلامًا في كتاب. لم يأتِ يسوع ليكتب كتابًا ولكنّه جاء ليكتب كلّ واحد منّا، ليصبح كلّ واحد منّا إنجيلاً متحرّكًا.

ثمّ في ما كان السيّد يخاطب السامريّة عن الماء الحيّ قال لها اذهبي ونادي رجلك، وأجابت أنّ لا رجل لي. نقلها من حديث لاهوتيّ أثارته هي إلى الحديث عن حياتها. سهل جدًّا أن يبحث الناس في اللاهوت، هذا لا يكلّفهم إلاّ الحكي. لكن ما أراده المعلّم هو أن يطهّر الناس سلوكهم، أن يصبحوا هم مسلكيًّا لاهوتيّين وإلاّ بقيت مسيحيّتهم كلامًا في كلام. ولهذا أحجم السيّد عن متابعة الحديث معها لكي يزجّها بالتوبة. أسلمت هي إليه وصارت له بالنور وبالطهارة. بعد ذلك أهلّها للتحدّث بالإلهيّات.

المطران جاورجيوس

123 Shares
123 Shares
Tweet
Share123