عاصفة الروح – المطران جورج (خضر)

نشرة رعيتي Thursday May 24, 2018 1344

كان الرسل مجتمعين في العلّيّة خوفًا من اليهود، ثمّ نراهم ينطلقون بقوّة عظيمة، بشجاعة كبرى ليبشّروا، ليس اليهود فقط، بل الأمم أيضًا، ليُذبحوا ويموتوا شهداء للأجيال المسيحيّة كلّها. يُضرب المؤمن ليصبح قدّيسًا أي لامعًا، مضيئًا، إنسانًا جديدًا. كيف حصل هذا بعد أن كانوا قد هربوا وتركوا يسوع وحده. شاهدوا المسيح ظافرًا ومع ذلك لم يتشدّدوا وكانوا في خوف لأنّ اللحم والدم كانا معرّضين للاضطهاد.

لكن لمّا هبّت عاصفة غريبة في علّيّة مغلقة، لمّا جاءت العاصفة صاروا بدورهم عاصفة. ولمّا حلّ الروح القدس عليهم أصبحوا هم أيضًا أناسًا يحرّكهم الروح وكأنّهم روح الله في الكون، أي أنّهم استطاعوا في ذلك اليوم أن يحيوا المسيح بحيث اتّحدوا به اتّحادًا كلّيًّا.

نقرأ اليوم في أعمال الرسل عن اليهود الذين جاؤوا من خارج فلسطين ليحجّوا في يوم الخمسين أنّهم كانوا يتكلّمون بلغات عديدة. لمّا سمعوا الرسل يتكلّمون فهموا الكلام بلغاتهم. هذا كان أمرًا غريبًا لا تُعرف طبيعته تمامًا. قد يكون أنّ كلّ رسول تكلّم بلغة جديدة، وقد يكون، كما يُفسّر الشرّاح، أنّ هؤلاء الغرباء أخذوا يفهمون ما كان الرسل يقولونه في وقت واحد. ليس الأمر مهمًّا، لكنّ العبرة الروحيّة من وراء هذا الكلام أنّ كاتب سفر أعمال الرسل أراد أن يجعلنا أمام صورة تناقض صورة أخرى عرفناها من سفر التكوين. هي حادثة برج بابل كيف أنّ الناس أرادوا تحدّي الله وأن يقولوا له إنّهم جبابرة فبنوا برجًا عظيمًا واصلاً وكأنّه إلى السماء. وعندما وصلوا تبلبلت ألسنتهم فتشتّتوا في الأرض. وكأنّ سفر التكوين أراد أن يقول إنّ الإنسان إذا تحدّى الله يصير بلا لغة أي بلا فهم، ويصير مشتّتًا، مضروبًا، مجزّأً. من هذا نشأ الاضطراب نتيجة تمرّد الناس الذين استكبروا على الله وما أرادوه سيّدًا عليهم.

أمّا الذين لا يتطلّعون إلى السماء بقوّتهم لكنّهم ينتظرون أن تنحدر السماء عليهم، أي الذين يفتحون قلوبهم للربّ كما فعل الرسل والإخوة مع مريم والنساء، فالسماء تنزل عليهم وتحلّ في قلوبهم وتغيّرها. كانوا مضطربين ومشتّتين وأصبحوا الآن وحدة كاملة، كنيسة واحدة أي قولاً واحدًا ورأيًا واحدًا نسمّيه الرأي المستقيم، ولهذا يظهرون فاعلين ومضيئين في الكون.

هذه أمور نختبرها كلّ يوم. تختلف الآراء ضمن العائلة الواحدة فللرجل رأي وللمرأة رأي آخر، ولكلّ منهما شهواته يتمسّك بها ويريد أن يفرضها على الغير. لا يواجه أحدنا الآخر ولا يستمع إليه. ولكن ما قيمة رأيك وقيمة رأيه؟ كلّكم تراب، الرأي لله، فإن كان رأي الزوجة رأي الله فليَكن، وإن كان رأي الرجل رأي الله فليَكن، وإن كان رأي الطفل رأي الله فليكن. وأنتَ تخضع لولدك أو تخضع للجار، وإن كنتَ غنيًّا فقد تخضع للفقير، وقد يكون رأي الفقير رأي الله، الروح القدس يجعل للناس وحدة.

يناضل الناس وتكافح الأمم من أجل الوحدة. كلّ أمّة كبيرة تضرب الأمة الصغيرة، والأمّة الغنيّة تفقر الأمم الفقيرة وتستغلّها في حين أنّ الناس يطلبون وحدة بين الأمم لا سيطرة.

فيما نقيم العيد فلنذكر أوّلاً أنّنا لا نستطيع أن ننير الآخرين ونظهر المسيح في أعمالنا ما لم نكن تحت المسيح بتواضع وسجود. السجود يعني أن نكون على الأرض أي أن نكون لا شيء أمام الله. الأنوف الشامخة سوف يكسرها الله. ولكن من أراد أن يكون مع الأرض أمام الله فهو مع كلّ الناس وهمّه من أجل الناس جميعًا.

المطران جاورجيوس

نشرة رعيتي

27 أيار 2018

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share