اللسان – المطران جورج (خضر)

نشرة رعيتي Thursday May 31, 2018 1087

تجارب اللسان من أقسى التجارب لأنّ الكلمة تنقل كلّ الهوى وعثرات اللسان تفصح عن عثرات النفس أبلغ إفصاح. لذلك مَن عصم لسانه عن الزلّة كان إنسانًا كاملًا. قال القدّيس الرسول يعقوب في رسالته الجامعة: «اللسان عضو صغير ويفتخر متعظّمًا… اللسان نار، عالم الإثم… جُعل في أعضائنا اللسان الذي يدنّس الجسم كلّه ويضرم دائرة الكون وتضرمه جهنم» (٣: ٥-٦).

أدنى مراتب السلوك الإحجام عن الأذى. «إنّ كلّ كلمة بطّالة يتكلّم بها الناس سوف يعطون عنها حسابًا يوم الدين لأنّك بكلامك تُبرّر وبكلامك تُدان» (متّى ١٢: ٣٦-٣٧). وقد تكون الكلمة خدشًا لطهارة السمع أو جرحة للسمعة أو نميمة أو افتراء. والكلمة هذه سمّ لصاحبها أوّلاً، وعند الغير تلويث أو إثارة حقد أو تقلّص كيان.

الإنسان مسؤول عن كلّ كلمة يبثّها فإنّه لا يغالي أبدًا بين اللفظة والعقل فتُطابقه ما أمكنها وكأنّها لا تزيد عليه شيئًا. والمرء في أصغريه (القلب واللسان) على قدر ما يكون القلب منسكبًا على الشفتين.

ضرورة التلاحم بين الباطن والظاهر تنشئ سهرًا على الكلمة المقولة سهرًا على الكلمة المقولة هو بحقيقته صوْن رائع للحياة الروحيّة. إلى جانب الكذب الكلام الذي لا نفع له. ونحن نقوله للترفيه عن نفس فرغت من كلّ شيء وليس فيها ما تستطيبه لتحفظه في تأمّل صامت، ولذلك كانت الثرثرة رغبة منّا في أن نوجد في آذان الناس لأنّنا غير موجودين في أعيننا. فنُلقي الألفاظ لئلاّ نواجه واقعًا داخليًّا خاليًا.

وبعد أن انكبَّ العالم على القراءة انكبابًا سطحيًّا ثمّ ركّز على وسائل التواصل الاجتماعيّ، أعطيناه وسيلة معرفة ولم نفتح له سبيل اكتشاف النفس ومحبّة الحقيقة التي تخلّص، فصار علينا أن نغذّي فضوله، والفضول ثرثرة داخليّة بدون تعبير. فحشرنا في الصحف والكتب وكلّ وسائل الإعلام والاتّصال كلمات باطلة.

ولذا كان الصمت في العالم الحديث ضرورة لتظهيره. فكان علينا ليس فقط أن نلتزم الإيجاز فضيلة، بل أن نتعهّد أوقاتًا نتمرّس فيها على الصمت لئلاّ تتناثر النفس في العدم.

الزهّاد والمتصوّفة آثروا السكوت طريقًا إلى السكينة، تلك السكينة الكبرى التي يرتقي الإنسان فيها فوق الشهوة والانفعال. في نفوس هؤلاء المطمئنّين إلى ربّهم يتكلّم اللّه وحده. وإذا نطقوا أرسلوا في العالم أفكار اللّه.

المطران جاورجيوس

نشرة رعيتي

3 حزيران 2018

58 Shares
58 Shares
Tweet
Share58