صرخات الناس كلما وصلت الكرة إلى قلب المرمى تجتاح الكرة الأرضية في مجموعها.
الحماس للرياضة أمرٌ عالمي، لا تستثنى منه حضارة أو دين.
قفزات المشجعين في الملعب وعلى أرائك البيوت، حديثهم في المواصلات وعلى مائدة طعام الظهيرة في العمل… كرة القدم، التنس، الرجبي، الهوكي …. أيّ رياضة كانت…. لماذا هذا الحماس كلّه؟؟؟؟ ما هو تأثيره على أجسامنا، ولماذا يستمرّ على مرّ السنين؟
في دراسة ألمانيّة، على مشجعي فريق ألمانيا في مونديال 2006، تبيّن أن معدل ضربات القلب وضغط الدم لديهم ارتفع خلال مشاهدتهم لمباراة منتخبهم، وحافظ على ارتفاعه لساعات.
هذا الارتفاع في عدد ضربات القلب عند المشجعين سُجّل في دراسة كنديّة عن لعبة هوكي التزلج. أوضحت الدراسة أن هذا الارتفاع يكاد يضاهي في نسبته ذاك المسجّل لدى اللاعبين أنفسهم … لكنّ الفرق هو أنّ هذا المعدل المرتفع لضخّ عضلة القلب لا يأتي بفوائد صحيّة للجهاز القلبي الوعائي كما تفعل ممارسة الرياضة! أي أنّ قلبك يضخ وضغطك يرتفع خلال ممارستك دور المشجّع الرياضي، لكنّ قلبك وشرايينك لا يستفيدون من هذا الارتفاع!!
حتى عضلاتك لا تستفيد من هذا الضخّ إلا إن قمت بالقفز أثناء فعل التشجيع!!!
والمشكلة الأكبر هي أنّ المشجّع الرياضي ينغمس عاطفياً في هذا الدور، مما قد يسبب له ضغطاً عاطفياً قد يصل إلى تحريض نوبة قلب لدى المشاهدين الذين لديهم مشاكل قلبيّة. حتى أن تشجيع الألعاب الرياضية قد صُنّف في مرتبة الأعمال التي يمكن أن تحرّض نوبة قلبية مثل: الجوّ الحار، العطلة، الهزات الأرضية، ممارسة الجنس واستخدام الكوكائين.
حسب الدراسة الألمانية لمشجعي كرة القدم: إنّ مباراةً صعبة ومسببة للقلق قد تضاعف احتمال حصول نوبة قلبية أو حتى السكتة الوعائية، خصوصاً عند الرجال. ولهذا ينصح بالانتباه لأي عرض قلبي خلال مشاهدة المباريات.
إذاً لماذا يفعلها الناس؟ لماذا يكرّسون وقتهم في ممارسة نشاط قد لا يعود عليهم إلا بالضرر الجسدي؟
لأنه، وعلى ما يصرّح به المشجعون، فعل التشجيع يجلب فرحاً من نوعٍ خاص.
الرياضة تربط الناس ببعضهم معيدةً إياهم إلى الشعور بالانتماء إلى مجموعةٍ أكبر…. إلى قبيلة….
الانسان يحبّ هذا الشعور ويكره الشعور بأنه وحيد… غريب عن المجموعة. هذا الشعور مريح وقديم، يعيدنا ربما إلى حالة الإنسان في أول استيطانه للأرض، عندما كان القُربُ من الآخر هو الأمان والحياة. عندما كان يستمدّ قوته ومنعته من انتمائه لمجموعة كبيرة تحميه وتدافع عنه.
الانتماء لفريقٍ رياضي (كأن يقول واحدنا: أنا أشجع البرازيل) يمنحنا الشعور بأن لنا هدفاً واحداً (هزيمة الفريق الآخر) وعدواً واحداً (الفريق الآخر!).
هذا الانتماء الذي يجسّده حملنا لأعلام الفرق التي نحبّها، ووضع صور هدّافيها في غرف نومنا، حفظ أسماء الأبطال وإنجازاتهم، وطبعاً أغاني التشجيع وصيحاته… كلّ هذا يزيد شعور الواحد منّا أنّه قوي… ينتمي إلى كينونةٍ أقوى من غيرها اسمها فريق.
هذا الانتماء يقلل من الشعور بالقلق والشدّة النفسية لدى الانسان، يقلل من مخاوفه.
لهذا يُنصح الأولاد الهشين بممارسة ألعابٍ تتضمن الانتماء إلى فريق، كي تغدو صورة الواحد منهم عن نفسه أحلى وأقوى.
كذلك الانسان يحبّ ما هو سهل وبسيط، والرياضة هي أمرٌ سهلٌ عقليّاً، فلست بحاجة إلى ديبلوم جامعي كي تنتمي عاطفيّاً لهذا الفريق أو ذاك. راقب الأطفال يلعبون كرة القدم في الحارة، إنهم يعرفون القواعد عن ظهر قلب، ولا يتردد ولد له عشرٌ من السنوات أن يلعب دور الحكم ويرفع البطاقة الصفراء والحمراء ويخرج هذا اللاعب أو ذاك من الملعب.
قواعد الرياضة بسيطة جداً من السهل معرفتها وحفظها، خصوصاً بالمقارنة مع قواعد الاقتصاد مثلاً أو مبادئ توزيع القوة السياسية في العالم أو معرفة تاريخ الدول البعيد أو القريب. يسهل على أيّ شخص، مهما كان مستواه العلمي أو الثقافي أن يغدو خبيراً في شأنٍ رياضي.
مشاهدة المباريات تريحك نفسياً… نعم، فعليك ألا تجعلها تضرّك جسدياً. وهذه بعض النصائح المنطقية:
اقفز ما شاء لك القفز (على الأرض لو سمحت)
اجعل الماء شرابك خلال المشاهدة (لامشروبات غازية أو كحولية)
ابتعد عن المآكل الدسمة أو المالحة وركّز على الفواكه والخضار (باعتبار التشجيع يجلب شعور الجوع)
حاول أن تجد نشاطاً مخففاً للقلق بين الشوطين
إن شعرت بأي عارض ألم أو ضيق تنفس لا تتردد في استشارة مختصّ
الدكتورة مارينا رزق