النبيّ الحقّ – المطران جورج (خضر)

نشرة رعيتي Thursday June 21, 2018 1016

أحدّثكم اليوم قليلاً عن النبوءة فيما نعيّد لنبيّ عظيم. في العهد القديم لم تكن تعني هذه الموهبة حصرًا، كما يظنّ الأكثرون، أنّها حديث عن أشياء مستقبليّة. كان الأنبياء يتكلّمون على الأزمنة التي كانوا يعيشونها، يتكلّمون أوّلاً عمّا كان الله يريد أن يحقّق في شعبه، أي أنّهم كانوا عصا الله على الشعب. أمّا الأيّام الآتية فإنّها مضمونة في كلامهم.

أمّا في العهد الجديد فهناك نبوءة. يظنّ الناس أنّ النبوءة انقطعت، هذا غير صحيح. يذكر بولس الرسول هذه الموهبة على أنّها من مواهب الروح القدس، لأنّ المسيح، ولو قال كلّ شيء، إنّما ينبغي أن يظهر مَن يذكّرنا بما قيل. إذًا تحقيق كلام المسيح في الناس الخاطئين ليرتدّ العصاة إلى ربّهم، في اللحظة التي نحن فيها، في الظرف الذي نعانيه هذا شيء لا يملكه كلّ الناس. هناك من عَلّم ولكنّه لم يبلّغ كلمة الله بحدّة وقوّة، ومن الناس مَن بلّغ إرادة الله ولكنّه ما كان معلّمًا نظريًّا. إنّ الله يبعث بروحه إلى البعض في زمان العهد الجديد ليضربوا الناس، ليقتلعوا السيّئات من نفوسهم حسبما جاء على لسان إرمياء: «إنّي أهدم وأبني، أقتلع وأغرس».

وظيفة بعض المؤمنين الحادّين في الكنيسة أن يهدموا خطط آخرين، ليس أنّهم يريدون لهم شرًّا لكن من أجل أن تُهدم الخطيئة ولا تحكم الكنيسة. هناك عداء مقدّس، غضب إلهيّ يهبّ كالعاصفة. يجب اقتلاع الحشائش المؤذية وأن يُغرس نبات صالح. الكنيسة فيها سلطة حتمًا وفيها مَن يمارس سلطانًا إلهيًّا طاهرًا صادقًا وقد يكون هناك مَن يتسلّط على الناس لمجده هو ولا يذهب بهم إلى مجد الله. الخطيئة الكبرى وليس بعدها خطيئة في الكنيسة وفي المجتمع وفي الحكم وفي العالم هي أن يتسلّط ناس على ناس. لذلك ينبغي أن يظهر من يُنزل الأقوياء عن الكراسي حتّى يرتفع المتواضعون. هذا لا يمكن إلاّ إذا صرخنا بكلمة الله. فكلمة الله ينبغي أن تهز نفوسًا وأجسادًا، أن تكسر عظامًا وضلوعًا، أن تضع حدًّا للإثم لئلاّ يُستَغل اسم الله في سبيل شهوات. تلك وظيفة أيّ نبيّ في العهد الجديد. الله يُتَرجم يومًا بعد يوم وإلاّ كان غائبًا، وشغل الأنبياء الكذبة أن يُغيّبوا الله.

كان في عهد إيليّا أنبياء لبعل وعشتروت. كانوا من اليهود، ولدوا في الحقّ ثمّ اختلطت في أذهانهم وقلوبهم صورة الإله الحقّ وصورة الآلهة الوثنيّة. لذلك حاربهم إيليّا النبيّ. ولعلّ الفكرة في العمق أنّ إيليّا أفنى عبادة الأوثان، وكلّ خطيئة عبادة وثن. لهذا كان لا بدّ من يوحنّا المعمدان. يقول الإنجيليّ لوقا إنّ يوحنّا المعمدان جاء «بروح إيليّا وقوّته» (١: ١٧). كان ينبغي ليوحنّا أن يقول لهيرودس إنّك خالفتَ الشريعة. ويوحنّا كان عالمًا بأنّ التعرّض للملوك خطر. كان يعلم أنّ قول الحقّ يمكن أن يوصله إلى الذبح ولم يخشَ شيئًا وفضّل الموت على أن يبقى صامتًا عن الخطيئة. المسيحيّة فيها فضح، ليس فضحًا لما سُترَ من خطايا الناس، ولكن فضح لما اعتُلن من خطاياهم.

كيف نعرف أن نميّز بين الأنبياء الصالحين والأنبياء الكذبة؟ كيف نعرف أنّ إيليّا كان نبيًّا لله وأنّ الآخرين كانوا للشياطين؟ أعطى إيليّا المعيار، قال: «حيّ هو الله الذي أنا واقف أمامه» (الملوك الأوّل ١٨: ١٥)، أي إذا كنتَ ترى الله دائمًا على وجه يسوع المسيح، ولا تمسّ يدك المال، ولا ينبض قلبك لسلطان، إذا كنتَ ترى ضياء الله أمامك، فأنت نبيّ صادق، وإلاّ فإنّك تغلّف شيطانك باسم الله، تقدّس شهواتك، تسمّي التسلّط طاعة، وتسمّي التزمّت عفّة… هكذا يُعرَف النبيّ الصادق من النبيّ الكاذب. النبيّ الصادق فقير ولا يتحكّم في الناس… ما عرفنا النبوءة أخيرًا إلاّ على الصليب. عندما ذُبح المخلّص أُعلنت كلمة الله كاملة في البشر، ذهبت بالحبّ. الذين يحبّون هم أنبياء.

المطران جاورجيوس

نشرة رعيتي

24 حزيران 2018

28 Shares
28 Shares
Tweet
Share28