الصبر المقدّس – المطران جورج (خضر)

mjoa Thursday July 5, 2018 1411

الصبر ليس التخاذل أمام الموجود والحياد تجاه النواقص. فالمؤمن يسعى إلى تغيير العالم. غير أنّ بشارته قد تطول وقد لا يستمع إليه الناس إذا شهد وتكلّم. فهناك عنصر الزمان ولا نقدر على أن نملي علـى الآخرين الحقيقة إملاءً. لماذا يصرّ مَن نحاول هدايته على خطيئته؟ هناك ما يسمّيه بولس الرسول «سرّ الإثم» إذ لا يعرف أحد متى تحلّ النعمة، أو متى يتقبّلها هذا الذي نصلّي نحن من أجله. ففي النفس «حنطة وزؤان» وليس بمقدورك دائمًا أن تقتلع الزؤان.

والملحوظ أنّ أكثر الناس يبقى على الشرّ الذي ترعرع فيه، وأنّ التوبة النصوح نادرة وأقصى ما تستطيعه أنت أن تنتظر وتحبّ. ومعنى ذلك أنّك تعايش في الرعيّة أو في الدنيا بشرًا متفاوتين في التقوى وفي الإخلاص، وأنّه عليك أن تتقبّلهم لكونهم إخوة لك، ولعلّ حظّهم الوحيد في الاهتداء أن يروا إخاءك لهم واحتمالك ما يغيظك فيهم وما يصدمك. وقد يجرحك هذا أو ذاك كلّ يوم بسبب من عداوة متأصّلة وغيرة مريضة. وإذا رأوك يتوتّرون وقد يريدون إذلالك بغضًا وظلمًا. فإذا تضجّرت أو رددت لهم الكيل كيلين، فهذا يزيد عداءهم وتشنّجهم، وأنت قادر على أن تشفيهم بالحلم وطول الأناة. وقد عيّنك الله طبيبًا لهذا الذي يؤذيك لأنّك أنت تعرف الجرح الذي فيه.

+. إنّه ينتظر عودتنا، يدعونا إليها ولا يغتصبنا إلى الفضيلة، ويمدّنا بالزمان لعلّنا «نقرف» من الخطيئة أو نحبّه عليها ونرى راحتنا عنده. والصبر مرتكز على الرجاء، ففي المواجهات تحتاج إلى رفق وسلام لتتقبّل قلّة التهذيب وسوء المعاملة والكيد وإرادة القهر.

أن تقبل الآخر في علّته وعيبه يبدأ بأنّك تعترف بأنّك لا تقدر على تبديل شيء في الناس ما لم يغيروا هم ما في نفوسهم. العهد الجديد يعلّم عن صبر المسيح وصبر القدّيسين. هذا هو الصبر في يسوع. إن كنت في المسيح فلا نكاية عندك ولا نكد ولا نقمة ولا صفع ولا ردّ فعل، وتتراجع وتسلّم بالحقّ لتخرج من الظلمة التي فيك.

وليس الصبر أن تقول أنا محكوم عليّ أن أعيش مع هذا وذاك، ولكنّك تقول في نفسك إنّي أحمد الله أنّي أحيا مع من أحيا معهم، لأنّي إن صبرت عـليهم جميعًا أنجّي نفسي وأنجّيهم وألطف بهم علّهم يشاهدون الله. لقد جعل الله زمانًا لخلاص البشر وبعده الملكوت، وجعل لكلّ منّا ممرًّا ليخلص به. أنت تمشي مع الآخر كلّ الخطى التي يحتاج إليها لكي يفهم ويفرح.

المطران جاورجيوس

نشرة رعيتي

8 تموز 2018

73 Shares
73 Shares
Tweet
Share73