العمل الحركيّ بين الرّوح والادارة

جورج عرموني Monday July 23, 2018 1435

أسئلة كثيرة بدأت تُطرح من جديد في أوساطنا الحركيّة حول موضوع الادارة والنّفَس المؤسّساتيّ في الحركة منها:

  • – هل يشكّل التركيز المفرط على حسن التنظيم والهيكليّات والأطر والأساليب الادارية خطرًا على الطّابع الروحيّ لكلّ نشاط أو عمل ينفّذ في حركة هبوب الروح القدس في شباب الكنيسة الأرثوذكسية الأنطاكية؟
  • – ضمن هذا الإطار، كيف نفهم قول الرّسول بولس إلى أهل كورنثوس، بعد أن كلّمهم حول تفعيل وتنظيم المواهب في الجماعة الكنسيّة، “وليكن كلّ شيء بلياقة وبحسب ترتيب” (كو 2-14: 40)؟
  • – بعد 76 سنة على التأسيس، هل ما زالت النُّظم والهيكليّات والأطر التنفيذيّة والادارية في حركتنا تخدم الهدف بفاعليّة في مجتمع متغيّر بفعل وتأثير الثورة التكنولوجيّة وما تستتبعه من تغيرات مجتمعيّة وثقافيّة متسارعة في أنماط تفكير وسلوك الانسان وتطلّعاته؟

الحركة تيّار نهضويّ في الكنيسة، ينخرط فيه كلّ من جعل من قضيّة يسوع المسيح قضيّته. يؤكد المبدآان الأوّل والثاني للحركة، دون أي لبس، الطابع الرّوحي لأيّ نشاط تتبنّاه أو تدعو إليه الحركة سائر أبناء الكنيسة. “حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة حركة روحيّة تدعو سائر أبناء الكنيسة الأرثوذكسيّة إلى نهضة دينيّة، ثقافيّة، أخلاقيّة واجتماعيّة.” و “تعتقد الحركة أنّ النهضة الدينيّة الأخلاقيّة تقوم باتّباع الفروض الدينيّة ومعرفة تعاليم الكنيسة. لذلك تسعى لنشر تلك التعاليم ولتقوية الايمان المسيحيّ في الشعب.” إذًا، كلّ نشاط أو إطار تنظيمي أو أسلوب إداري، يهمل الطابع الروحي، ولا يجعله في صلب الهدف، أو يبتعد عنه في أسلوب المقاربة والمعالجة، هو خارج عن مبادئنا وعن فكرنا النهضويّ الذي تسلّمناه من المؤسسين.

لا بدّ من الإشارة إلى أنّ نجاح الأنشطة والمشاريع رهن لفاعليّة إدارتها من ناحية خطّة التنفيذ، الوقت، الموارد المادية والبشريّة ونوعيّة النتائج المنتظرة من جهة، كما أنّه رهن لقدرات ومميزات الأشخاص الذين يتولّون القيادة من جهة أخرى. فالإدارة لازمة لكلّ نشاط جماعيّ، إذ إنّها نشاط يتوخّى تنفيذ الأعمال بواسطة الآخرين. أمّا القيادة، فهي قائمة على التأثير في الآخرين أو إلهامهم، هي تسليط للضوء على رؤيا واضحة وتحفيز للأفراد كي يعملوا على تحقيق الأهداف. إذًا، لا بدّ من وجود قياديّين إداريّين في الحركة، لكي يستطيعوا توضيح وترجمة الرؤيا النهضويّة الحركيّة المتمثّلة بالمبادئ والفكر النهضويّ الذي وضعه المؤسّسون إلى أهداف تلبّي الحاجات الآنيّة، وخطط عمل تنظّم مشاريع عدة وتحقّق الأهداف المنشودة، ومن ثمّ تحفيز الآخرين وقيادتهم من أجل تنفيذها.

في الفصل الرابع عشر من الرّسالة الثانية إلى أهل كورنثوس، يتحدّث الرسول بولس عن “المواهب الروحيّة” ويوضح أهميّة المحبّة في ممارسة هذه المواهب. وينهي الاصحاح بتوصية الكورنثوسيّين أن يكون كلّ شيء بلياقة وترتيب، أي أن تُوضع كلّ الأمور في نصابها وبحسب أهميّتها من دون أن يتمّ تجاهلها ولا المبالغة فيها. فتمارس الكنيسة أعمالها بوقارٍ وترتيبٍ حسن وجدّيةٍ. ويشرح لنا القدّيس يوحنّا الذهبي الفم هذا الطلب مؤكدًّا أنّه “لا شيء يبني مثل النّظام الحسن والسلام والحبّ، ولا شيء يدمّر مثل عكس هذه الأمور. ليس فقط في الأمور الروحيّة بل وفي كلّ شيء فليراع الإنسان هذه الأمور.” إذا، حُسن الإدارة والقيادة و”النظام الحسن”، مقرونًا بالمحبة والسلام، ركن أساس لبناء أيّ جماعة كنسيّة مرتكزة على مواهب أعضائها والتزامهم التطوعيّ في عملها ونموّها.

يمكننا أن نستنتج من خلال ما ذكرناه حتى الآن، أنّ التنظيم وحسن القيادة والادارة ضروريّة جدًّا لضمان فاعليّة وإنتاجية العمل في الحركة كما في أيّ جماعة أخرى. وذلك لا يتعارض مع، ولا يشكّل خطرًا على الطابع الروحي لأيّ نشاط تتبنّاه الحركة وتخطّط له وتنفذّه. تشكّل المبادئ والرؤية الحركية التي تنبثق منها الأهداف وخطط العمل والطرق الإدارية الضمانة على ذلك. من جهة التطبيق، نحن مسؤولون عن كلّ انحراف في هذا المجال. إذا ما ركّزنا على حسن تنظيم الأنشطة والهيكليات والأطر والأساليب الإدارية، فذلك لا يجب أن يكون غايةً بحدّ ذاتها، على حساب المنفعة الروحية والتربوية والأخلاقية للأخوة. فالمحبّة والسلام واحتضان الإخوة وحسن تنميتهم أهمّ بكلّ تأكيد من كلّ قانون تنظيمي أو خطة عمل، أو نجاح نشاط.

ونستنتج أيضًا، أنّ للإدارة الجيّدة، المبنيّة على قيَمنا المسيحيّة والنهضوية والفاعلة بيننا بحسب روح الانجيل، علاقة وثيقة وأساسيّة بتشجيع وتنظيم الإبداع والمبادرات الخلّاقة عند الأخوة، وبخاصة الشباب منهم. فشبابنا الذين يخنقهم الروتين الإداري، ويرون فيه مضيعة للجهد والوقت، يشتكون من غياب اللّهب في الهيكلية الإدارية التي تكتفي بتسيير الأعمال بما تيسّر من وقت وإمكانيّات. حقّ هؤلاء الشباب علينا أن نفتح لهم آذاننا وقلوبنا وعقولنا أكثر، وأن نساعدهم على بلوَرة أفكارهم واقتراحاتهم وتطلّعاتهم ورؤاهم حول مستقبل تيّارنا النهضويّ، لأنّهم، ببساطة، هم المستقبل، وهم الاستمراريّة.

اليوم، نحن نعيش في مجتمع متغيّر بفعل وتأثير الثورة التكنولوجيّة وما تستتبعه من تغيّرات مجتمعيّة وثقافية متسارعة في القيم وأنماط تفكير وسلوك الانسان وتطلّعاته. الشركات والمنظمّات والجماعات على أنواعها تحاول أن تستنبط طرقًا جديدة لكي تتكيّف مع هذه التحوّلات، وتبقى قادرة على تحقيق رؤاها وأهدافها. وفي ظلّ هذا المشهد، يأتي السؤال حول فاعليّة النظم والهيكليات والأطر التنفيذية والادارية في حركتنا التي وُضعت، وطُوّرت خلال 76 سنة منذ التأسيس. كيف نستخدمها اليوم لكي نستطيع أن نكون أفعل في شهادتنا المسيحية والنهضوية؟  ماذا يجب علينا أن نحسّن فيها؟ كيف نخاطب الانسان المعاصر الذي يكره المطوّلات الكلامية ويؤمن بالنتائج السريعة، المضمونة والفعّالة؟ كيف يجب علينا أن نتعامل مع روح المزاجيّة والفردية والعيش في العالم الافتراضي التي تبنيها وتؤجّجها التسهيلات الخدماتية التكنولوجية؟ كيف نخدم قضية يسوع في الأرض ونحن نفتقد دائمًا إلى الوقت للتثقف وبناء الذات ونريد الحلول الجاهزة ونكره الاجتماعات الطويلة ونهرب من كلّ ما يتطلّب منّا جهدًا إضافيًّا؟ هذه، وأسئلة أخرى، لا بدّ لنا، وفي القريب العاجل، أن ندخل في ورشة تفكير عميق حولها، لكي نستطيع أن نغيّر نظرة شبابنا اليوم إلى أدائنا الإداري والقياديّ في الحركة وأن نبقى خدّامًا للمحبّة والسلام والنهضة الروحية في أنطاكيا.

جورج عرموني

51 Shares
51 Shares
Tweet
Share51