مضت أسابيع قليلة منذ استلامي عصا رعاية هذه الأبرشيّة، ولا زلت إلى الآن أسعى كلّ يوم إلى مشاركة الرعايا خدمتها اليوميّة (صلاة الغروب، صلاة الباراكليسي، القدّاس الإلهيّ) أو صلاة الشكر، بحيث يتسنّى لي تحقيق هذه المشاركة الحيّة بالكهنة والمؤمنين. في هذه المناسبات تشاركت مع الحاضرين في الصلاة، والكلمة الإلهيّة، وحوار جرى مع أبناء الرعيّة في صحن الكنيسة أو الصالة، وذلك تبعًا لسعة المكان، وكان ينتهي عمومًا بضيافة أو مائدة محبّة.
برنامج كهذا لربّما هو بسيط من حيث الشكل، لكنّه بالنسبة إليّ عميق في معناه وفي أثره. أشعر لزامًا أن أشير إلى المعاني البسيطة التي تنجلي من برنامج كهذا، لأنّ زمننا بات يستدعي الإشارة إلى ماهيّة وجودنا كمؤمنين.
المعنى الأوّل كامن في اجتماعنا في الكنيسة. أهمّيّة الاجتماع مضمورة في معنى لفظة «كنيسة» كما وردت في اللغة اليونانيّة، فهي مشتقّة من فعل «أدعو». نحن مدعوّون إلى أن نحقّق كينونتنا كـ«كنيسة»، وهذا لا يتمّ إلاّ بحضورنا الشخصيّ ومشاركتنا الحيّة والفعليّة في حياتها. غيابنا عنها، عن الصلوات واللقاءات، عندما يتكرّر كثيرًا أو يصير عادة، لا يمكن تعويضه بأيّة طريقة. إمّا أكون حاضرًا أو لا أكون. والحقّ يقال، إنّه ما من جمال أعظم وأثمن من أن نكون معًا.
المعنى الثاني كامن في اتّحادنا في الصلاة التي نرفعها معًا. فللاجتماع غاية وهدف، إذ نحضر إلى الكنيسة بهدف أن نقدّم ذواتنا في الصلاة، ونتنشّق من الخدمة «رائحة الطيب الذكيّ»، أعني نعمة الروح القدس، لكيما نبقى قائمين في الإيمان وثابتين على الرجاء في الخدمة التي نقوم بها.
المعنى الثالث كامن في لقائنا الأخويّ، لأنّ تقديم الذات إلى الله في الصلاة وتطهير النفس بنعمة الروح، حريّ بأن يساعدنا على أن نفرح بوجود الآخر وبأن يصير مهمًّا لنا بحدّ ذاته وأن نهتمّ بأمره.
المعنى الرابع كامن في الحوار بين بعضنا البعض. فالأسئلة التي نتداولها بعد الصلاة تفتح المجال واسعًا لأن يغتني أحدنا من الآخر، وتساعدنا على بلورة خلاصة مفيدة للجميع. الفرح البادي على الوجوه كان أبلغ دليل على المنفعة التي جناها كلّ واحد من هذا الحوار.
المعنى الخامس كامن في العمل المشترك. هذا التعاطي الأخويّ والكنسيّ يمهّد لنا الطريق للتفكير معًا بشؤون كنيستنا وحاجاتنا والتطوّع للعمل في سبيل معالجتها. أن يفضي عمل الصلاة الأخويّة إلى عمل السواعد الأخويّة أمر مطلوب جدًّا.
المعنى السادس كامن في الرجاء. فنحن نعدّ للربّ الطريق، ونرجو أن نكون بذلك معاونين له حقيقيّين. كلّنا نتعلّم القيام بهذه المعيّة وإزالة الشوائب وتصحيح الأخطاء. الغد يرتسم برجاء كبير بناء على التزامنا اليوم بهذه المعاني السابقة.
المعنى السابع كامن في المحبّة. لا ريب في أنّ من يتدرّج في هذه المعاني يعتلي سلّم المحبّة رويدًا رويدًا. وهذا هو مبتغانا.
هذه المعاني السبعة تتجلّى أمامي في زياراتي الرعايا ولقاءاتي بالمؤمنين في الكنائس التي زرتها حتّى الآن. أرجو أن أكون قد عبّرت عن واقع الحال بالنسبة إلى من التقيتهم. هذه المعاني أغنتني وأرجو أن تغني من أتشارك معهم في محبّة كنيستنا وخدمتها.
سلوان
متروبوليت جبيل والبترون وما يليهما
(جبل لبنان)
نشرة رعيتي
2 أيلول 2018