الأب جورج مسّوح
وُلِد الأب جورج مسّوح في سدّ البوشريّة- ساحل المتن الشماليّ في الثاني من كانون الأوّل 1963.
والده إبراهيم، سوريّ الجنسيّة، هاجرَ من بلدة حبّنمرة في وادي النصارى، وتعرّف إلى جورجيت، من عكّار شمال لبنان، وتزوّجها عام 1958 وأنجب منها ثلاثة صبية وثلاث بنات.
نشأ جورج في بيروت، حيّ الزعيتريّة المختلط. فيه تعرّف إلى الإسلام والمسلمين، ونشأ على عدم التعصّب متأثّرًا بأبيه إبراهيم الذي كان له مثالاً حيًّا في الانفتاح وحسن العلاقة مع سائر الطوائف.
منذ صغره عشق الكتابَ والعِلم. ففي حين كان أولاد الحيّ يلعبون ويَلهون كان جورج منغمسًا في القراءة. تصرّفاته كانت مغايرة لشقاوة الأطفال المعتادة، وكان جدّيًّا جدًّا في دراسته الثانوية التي تلقّاها في ثانويّة الجديدة، والجامعية التي تلقّاها في كلّيّة العلوم في الجامعة اللبنانيّة – المنصوريّة.
لم ينتمِ جورج إلى أيّ حزب سياسيّ. وخلال الحرب اللبنانيّة كان يمجّ الاقتتال بين الإخوة وهذا ما عبَّر عنه لاحقًا في مقالاته.
تأثَّر جورج الشابّ بوالده، ومنه اقتنى حبّ الاطّلاع والمطالعة. كان والده قارئًا للصحف وخاصة “النهار”، ومتابعًا باهتمام للأوضاع السياسيّة في البلاد. وعندما كان في السابعة من عمره، وبينما كان يساعد والده في “الدكان”، بدأ جورج قراءة صحيفة “النهار”، وقاده فضوله إلى المزيد من المعرفة فواظب على قراءة المجلّات والكتب بنَهم.
في الجامعة، التي تخرّج منها حاملاً إجازة في الرياضيّات العام 1987، انخرط جورج في نشاطات الشبيبة، وانتقل إلى العمل الحركيّ بداية الثمانينات متأثّرًا، بشكل كبير، بمؤسّس حركة الشبيبية الأرثوذكسية، متروبوليت جبل لبنان السابق جورج خضر. وقد تولّى لاحقًا رئاسة فرع الجديدة وورئاسة مركز جبل لبنان في حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة.
لحظَ كاهن رعيّة مار يوحنّا الجديدة، الأب نقولا حدّاد، حماسة جورج في خدمة الكنيسة والشباب فحثّه، مرارًا، على الالتزام الكهنوتيّ، إلا أنّ جورج بقي رافضًا لهذه الدعوة إلى حين سمع المطران جورج خضر يقول في إحدى الندوات: “إنَّ الكنيسة بحاجة إلى رجال دين متعلّمين ولا مكان بعد الآن لكهنةٍ جاهلين”.
تأثّر جورج الشابّ بهذا الكلام، وصارحَ المطران خضر برغبته في الخدمة الكهنوتيّة في نطاق الأبرشيّة. طلب منه المطران جورج أن ينهي دراسة الرياضيات التي كان قد بدأها. وبعد تخرّجه نصَحه بدراسة اللاهوت في معهد القديس سرجيوس في باريس وهو المعهد الذي تخرّج منه المطران خضر.
في العام 1991 حاز جورج إجازة في اللاهوت من معهد القدّيس سرجيوس، ومن ثمّ نال في العام 1992 شهادة الماجيستير.
بعد ذلك توجّهَ إلى العاصمة الإيطاليّة روما حيث حاز من المعهد البابويّ للدراسات العربيّة والإسلاميّة العام ١٩٩٧، شهادة الدكتوراه في الدراسات الإسلاميّة المسيحيّة، وحملت أطروحته عنوان “المواضيع المسيحيّة في أعمال رجال الدين المسلمين في لبنان بين العام 1975 والعام 1996”.
في روما، عاش جورج في دير الآباء البيض مدّة سنتين، وكان يتعجّب من أنّ الآباء، في الدير، لم يسألوه، مرّة، أن يتناول القرابين المقدّسة في كنيستهم رغم مشاركته في القدّاس الإلهيّ فيها. وكان، أحيانًا، يعبر المسافات الطويلة ليتناول القربان المقدّس في إحدى الكنائس الأرثوذكسيّة.
في تلك المرحلة كان جورج يصرّ على أن يقضي كلّ صيف في لبنان حيث كان ينهمك بالعمل الإرشاديّ، وتنظيم الندوات والمحاضرات. وأصبح التوجّه إلى الخدمة الكهنوتيّة أكثر رسوخًا لديه بتشجيعٍ من والده ورفاقه في الحركة.
وفي فرع الحازميّة للحركة، حيث تولّى إرشاد فرقة للعاملين، التقى رفيقة دربه ماغي وهبة، وقادهما الحبّ إلى الارتباط الزوجيّ فتزوّجا، العام ١٩٩٥، في كنيسة رقاد والدة الإله في المحيدثة، ورُزقا بثلاث بنات، رزان ونور ورنا.
من العام ١٩٩٥ وإلى العام ٢٠٠٦ تولّى منصب المدير المسؤول في مجلّة النور التي تصدرها حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة، واستمرّ محرّرًا فيها ومشاركًا في اجتماعات هيئة تحريرها إلى الفترة الأخيرة من حياته.
وفي العام 1995 عُيِّن مديرًا لمركز الدراسات الإسلاميّة- المسيحيّة في جامعة البلمند، واستمرَّ في هذا المنصب حتّى انتقاله إلى الأخدار السماويّة.
رُسم كاهنًا على رعيّة القدّيس جاورجيوس في عاليه العام 1997، فشجّع عودة المسيحيّين إلى الجبل بعد الحرب المدمّرة، وعمل على ترميم الكنيسة المتداعية، وآلف بين القلوب محفِّزًا على المحبّة بين أبناء الجبل والتعايش الصادق بينهم.
بين العامين 1995 و1997 عمل أستاذًا محاضرًا في جامعة البلمند. بين العامين 1997 و2010 أصبحَ أستاذًا مساعدًا في الجامعة نفسها، وبين العامين 2010 و2014 صار أستاذًا مشاركًا.
تميّز في هذه السنوات بتربية طلّابه على اقتناء المعرفة وعدم التعصّب والانفتاح على الآخر، وبحثّهم على المحبّة والدفاع عن حقوق الإنسان وكرامته في أيّ بلد وُجِد وإلى أيّ دينٍ انتمى.
وبعد أن كان قارئًا لجريدة النهار أصبح أحد المحرّرين فيها منذ العام 2004، فكانت له مقالات أسبوعيّة تعنى بالشؤون الدينيّة والثقافيّة والأخلاقيّة والاجتماعيّة والسياسيّة.
رفض الأب جورج مسّوح كلّ ظلم وتحجّر، فكان صوتًا إنجيليًا ثائرًا داخل الكنيسة وخارجها. تحمَّس لنُصرة قضايا العرب دونَ أن تُحَدَّ آفاق اهتماماته بحدودٍ قوميّة. رفض الديكتاتوريّات والاحتلالات وناصرَ باندفاع شديد قضيّة فلسطين مُضيئًا بشكلٍ دائم على ممارسات الاحتلال من قتلٍ ومجازرَ وتطهيرٍ عرقيّ في الأراضي المحتلّة.
رقد الأب جورج مسّوح صباح الأحد 25 آذار 2018 بعد صراع طويل مع المرض تاركًا إرثًا كبيرًا من المواقف والمقاربات الفكريّة الإيمانيّة واللاهوتيّة.
من مؤلّفاته
-“النظرة إلى الآخر، مقاربة أرثوذكسيّة” في كتاب الأديان نظرات متبادلة، مجموعة من المؤلّفين، تعاونيّة النور الأرثوذكسيّة، 2007، ص. 78-83
-“الحرّيّة بإزاء القيم والأخلاق”، في كتاب الحرّيّة في أبعادها الحضاريّة، مجموعة من المؤلّفين، تعاونيّة النور الأرثوذكسيّة، 2005، ص. 199-212
-“النزاعات والدعاوى بين المسلمين والمسيحيّين في وثائق المحكمة الشرعيّة بطرابلس 1666-1793″، في كتاب العلاقات بين المسلمين والمسيحيّين في بلاد الشام إبّان الحقبة العثمانيّة، جامعة البلمند، 2004، ص. 109-205
-“الخيرات الآتية….” جامعة البلمند، 2003
-“محطّات في نظرات الأرثوذكس الأنطاّكيين إلى الإسلام والمسلمين في القرن العشرين”، في كتاب تاريخ كنيسة أنطاكية أيّة خصوصيّة، مجموعة من المؤلّفين، جامعة البلمند 1999، 305-318
-“المسيحيّون في أعمال رجال الدين المسلمين في لبنان خلال العشرين سنة الأخيرة”، في كتاب النظرات المتبادلة بين المسلمين والمسيحيّين في الماضي والحاضر، جامعة البلمند، 163 – 174، 1997
-“الآن وهنا”، تعاونيّة النور الأرثوذكسيّة 2018