الأب ليف جيلله راهب من الكنيسة الشرقية

mjoa Friday March 29, 2019 1191

أحبّ الأب ليف يسوعَ من كلّ قلبه، وكان عمله الدائم أن يأتي بنا إلى يسوع، ويعرّفنا إليه، ويجعله مركز حياتنا، وغاية تصرّفاتنا كلّها…”Jésus” هي الكلمة التي كنت أسمعها دائمًا من الأب ليف. أنظروا إلى التأمّلات التي كتبها فهي تدور كلّها حول يسوع، واقترابنا منه وجعله محور حياتنا.

للأب ليف طريقة مميزة في مقاربة النصّ الإنجيليّ غايتها لقاء يسوع. ليس عنده أبحاثٌ علميّة لاهوتيّة – وهو العالِم المثقَّف جدًّا – لأنّ كلَّ هَذه الدّراسات الّتي نظنّ أنّنا بواسطتها نفهم الإنجيل ليست سوى دوران حول النصّ. والجوهر هو لقاء يسوع.

يسوع يقرع على أبواب قلوبنا، وما علينا إلّا الإصغاء له، وفتح الباب لكي يتربّع السيد على عرش القلوب. لذلك كان ليف دائمًا يعلّمنا أنّ الإنجيل هو الأهمّ.

أحبّ الأب ليف الحركيّين منذ لقائه بعضهم في الأربعينات. فأتى وأقام بينهم، وتعرّف إلى الأجيال اللاحقة خلال زياراته السنويّة. وقد اعتبر نفسه واحدًا منهم. فحين يذكر الحركة كان يردّد أسماء الذين يعرفهم ويحبّهم، فهم الحركة…

عندما كان الأب ليف يحضر إلى بيروت، كنّا نجتمع حوله في بيت الحركة في بيروت – وأعتقدُ أنّه كان يذهب أيضًا إلى طرابلس – ونقوم بتأمّلاتٍ إنجيليّةٍ، تركت الأثر الكبير في كلّ واحدٍ منّا. فلم نعد نقرأ الإنجيل من دون البحث عن هذه العلاقة الحميمة مع يسوع. من الأب ليف تعلّمنا صلاة يسوع. كلماته لم تكن شروحات لاهوتيّة أكاديميّة، بل التماس يسوع والتقرب منه.

لما انتسبت إلى معهد اللاهوت في البلمند فور افتتاحه، ظنًّا منّي أنّي سأكتسب معرفة تساعدني في مسؤولياتي في الحركة، لم يتحمّسِ الأب ليف للفكرة أبدًا، بل كان يسألني دائمًا عن دراستي قائلًا وهو يبتسم:”كيف حال الحُجَّةِ prétexte ولا أعرف حتّى اليوم ما كان يقصد بالحُجَّة. سألته مرّة فابتسم. ربّما هي الحُجّة للتهرّب من لقاء يسوع الشخصيّ والتكريس الكليّ له.

كنت أتكلّم كثيرًا مع الأب ليف عن التكريس باحثةً عن طريق لتحقيقه، وكان يشجعّني ويساعدني على جمع المعلومات عن التكريس في العالم، وعن الخدمة. ولكنني لم أصل إلى هذا التكريس، ربّما افتقرت إلى الشجاعة…

كان الأب ليف يعيش حياةَ تقشُّفٍ وفقرٍ شديديَنِ لم أرَ في العالم أحدًا مثلَه. كان يأكل طعامًا قليلًا جدًّا. يخرج من مكان إقامته في لندن في بيت St Alban and St Sergius ويقصد مطعمًا في حيٍّ شعبيٍّ فقيرٍ، معظم سكانه من المهاجرين الآسويّين، ويكتفي بصحن حمّص صغير. كانت ثيابه قديمة رثّة وعندما يسافر لا يحمل سوى كيس صغير.

الاكتفاء بما هو ضروريّ، وعدم القنية والتعلّق بالممتلكات هما ما ميّز الأبَ ليف. كان يخشى علينا من المال، من أن يتسلّط المال علينا اذا جمعناه حتى ولو لغاية جيّدة أو سعينا لاكتساب مال أكثر. كان يخاف علينا من أيّ شيء يبعدنا عن المسيح.

كتب الأب ليف كتبًا بطلب من الحركة، كتبها بالفرنسيّة ثم تُرجمت فيما بعد إلى العربيّة وهي :

“أبانا، مدخل إلى الإيمان والحياة المسيحيّة”

“كن كاهني”

“سنة الرب المباركة، مدخل إلى السنة الطقسيّة”

“تعليقات على القدّاس الإلهيّ”.

كان للاب ليف تعلّق كبير بالقدس وبالأرض التي عاش فيها يسوع. كان يزور القدس كلما استطاع – كل سنة تقريبًا – وكان يشتهي أن يموت في القدس. لكنّه توقف عن زيارتها بعد ١٩٦٧ تضامنا مع الاخوة الحركيين.

سنة ١٩٦٥ قاد الاب ليف الحج الى القدس الذي نظمته سندسموس واشترك فيه نحو مئة شخص من سوريا ولبنان وفنلندا واليونان وفرنسا وغيرها. ذكريات رائعة لكل من اشترك في هذا الحج. كنا نتوقف في كل مكان في كنيسة القيامة وبيت عنيا وبئر يعقوب وأماكن اخرى على نقرأ مقاطع من الإنجيل تتعلّق بالمكان ونستمع الى تأمل الأب ليف. بعد ذلك كنّا نجتمع حسب لغاتنا كلّ مجموعة حول مرشدها – وكان مرشد الحركيين الأب جورج خضر – نتأمل في الانجيل.

كانت هذه آخر زيارة للأب ليف الى القدس فقد رقد في لندن يوم سبت لعازر سنة ١٩٨٠

مود نحاس

129 Shares
129 Shares
Tweet
Share129