الفرقة الحركية اليوم

mjoa Monday May 20, 2019 1170

الفرقة الحركية، اليوم. لجنة من المرشدين ( ورقة من مؤتمر جبل لبنان 2014 )

الفرقة الحركية، اليوم

  • مقدمة
  • تعليم الرّسل: تآلف المؤمنين مع الإنجيل في الفرقة الحركية
  • شركة كسر الخبز، الصلوات
  • الفرقة الحركية  مساحة تفاعل بين كلمة الله و هواجس الإنسان
  • حياة الفرقة في المسيح
  • الفرقة الحركية مكان اختبار لحياة الشركة
  • الفرقة كمجموعة عمل وخلية حياة
  • توصيات عملية

مقدّمة:

كانت الفرقة الحركيّة وما زالت الإطار الأمثل الذي يحيا فيه كلّ واحد خبرة حياة الشركة التي كانت للرّسل: “وكانوا يواظبون على  تَعْلِيمِ الرُّسُلِ، وَعَلَى حَيَاةِ الشَّرِكَةِ، وَكَسْرِ الْخُبْزِ، وَالصَّلَوَاتِ.” (أع 2 : 42 ). يختبر فيها الأعضاء حياة الجماعة كوحدة واقعيّة يوميّة تنشأ من الإفخارستيّا وتجسّدها حياةً في المسيح أي اتحادًا بالذي هو ألف الإنسان وياءه.

تعليم الرّسل: تآلف المؤمنين مع الإنجيل في الفرقة الحركيّة:

كيف يتكلّم المؤمن على إيمانه ويشارك هواجسه وتفاعله مع الإنجيل إن لم يكن مع جماعة صغيرة يألفها ويعيش معها ؟ يجب أن يصبح التفاعل مع كلمة الله تفاعلا شخصيّاً، وهذا غير ممكن من دون التعاضد الأخويّ المنتظم اليوميّ والأسبوعيّ.

شركة كسر الخبز، الصلوات:

إذا وجد المؤمن مساحة يتفاعل فيها مع الإخوة في الحياة اليومية يشاركهم الهواجس الإيمانية وتحدّيات الحياة اليومية ، يتمكّن حينها من عيش الإفخارستيا  بشكل طبيعيّ كتتويج لهذه الحياة بوعي وفهم ومشاركة وجدانية في تعاضد الإخوة.

الفرقة الحركية  مساحة تفاعل بين كلمة الله و هواجس الإنسان

السؤال  الذي تطرحه الفرقة الحركية وتحاول الإجابة عليه هو هذا :  كيف يصبح الله إلهك أنت اليوم، بما أنت عليه من خصوصيّة شخصيّتك ؟  كيف  تصير الكلمة هي حقًّا فيك، ضمن تركيبتك البشريّة وطبائعك ولغتك ؟  كيف تزول  الغربة بين كلمة الله والإنسان في أفراحه وأحزانه وأشواقه اليوميّة ؟

همّ  الفرقة الحركية أن تخاطب  الإنسانَ في الأعماق وأن  تلامس معاناة المؤمنين  اليوم وسعيهم الصادق الى القداسة . لذلك فهي تستلهم ، كلّ يوم، هواجس  المؤمنين ، وذلك عبر كشفها  الدائم، بالقول والسلوك، لقيمة الحياة البشريّة بكافة مظاهرها العاديّة التي يمكن أن  تبدو، لأول وهلةٍ، بعيدة عن الهاجس الدينيّ (كالطعام والشراب والعمل المهنيّ والراحة واللهو والأفراح على اختلافها والعِشرة والصداقة والحبّ والحياة العائليّة …).   لذلك يجهد  الخطاب الإرشادي في الفرقة الحركية ، مُتَرجَماً في السلوك اليوميّ، ، أن يأخذ على محمل الجدّ، كلّ الجدّ، مباهج الحياة هذه، على تواضعها ومعطوبيّتها، وأن يضعها في قلب الهاجس الإيماني وليس على هامشه، و أن يُعبِّر عن تذوّقه لها على أنَّها هِباتٌ نفيسة مُنحَدِرة إلينا بسخاءٍ، “من العلوّ، من أبي الأنوار” (يعقوب1: 17)، فيُمَجِّدُهُ عليها برفع الشكر الدائم لجوده العظيم . ألَم يوصينا الرسول قائلاً: “إن أكلتم وإن شربتم ومهما عملتم فاعملوا كلّ شيءٍ لمجد الله”؟.

إنَّ انفتاحِنا، بالمسيح، إلى رحاب الألوهة لا يُلغي بشريّتنا بل يُنيرها ويُلهِبُها من الداخل، فيؤهَّلها، بانتعاش الصورة الإلهيّة الكامنة فيها أصلاً، لتحقيق كامل طاقاتها. هذا هو “التأليه” الذي تحدَّث عنه التراث الآبائيّ. إنَّه ليس انتقاصاً للإنسانيّة فينا ، بل اكتمال لها.

حياة الفرقة في المسيح

تحيا الفرقة الحركية من المسيح الذي يحل في الجماعة. إذ هكذا أحب الله العالم أنه بعد أن بذل إبنه الوحيد حتى لا يهلك كل من يؤمن به، أرسل روحه لينشئ إمتدادا لجسد يسوع الممجد الجالس عن يمينه. ليتم ما قاله الرب أنه معنا حتى انقضاء الدهر وأنه يتماهى مع هؤلاء الذين “لا يستحي أن يدعوهم إخوة” قائلا ” أخبر باسمك إخوتي وفي وسط الكنيسة أسبحك…وأيضا ها أنا والأولاد الذين أعطانيهم الله” (عب 2 : 10 – 13 ). تحيا الفرقة من أخوّة يسوع نفسها ومن محبتها لإخوة يسوع.

سرّ أخوّة يسوع أنه ” إذ تشارك الأولاد في اللحم والدم ” أي في الطبيعة البشرية السريعة العطب، اشترك هو أيضا فيها ولم يأنف أن يتخذها جسدا له متعهدا محدوديتها وضعفها. كلام الأنبياء والشريعة لم يكف حتى يكون الله أخا للبشر. صار الكلمة بشرا وضرب خيمته في حيّنا.   تأنسُ الله هو التعاطف الكلي مع الإنسان بحسب الرسالة الى العبرانيين : ” كان ينبغي أن يشبه إخوته في كل شيء لكي يكون رحيما…لأنه في ما هو قد تألم مجرَبا يقدر أن يعين المجرَبين” (عب 2 : 17 ). وضع الله نفسه مكان الإنسان من دون أن يُبطل ألوهيته لتكون جاذبيته بوصلة تحرك الإنسان من الداخل، شريعة مكتوبة في القلوب اللحمية وليس على الحجر. تعاطف الله هذا يحكم علاقات الإخوة في الفرقة في جميع مسؤولياتهم وبخاصة الإرشادية والبشارية. تتعدى البشارة كونها نقل رسالة الى كونها لقاء حقيقيا مع المرسَل إليه قوامه الإصغاء والتعاطف. التبني الشخصي للرسالة عند المرسَل اليه والتزام التحول قرارا شخصيا مشروط بتعاطف المرسِل كما يبدو بشكل واضح في تعاطي يسوع المتمركز حول الشخص مع كل من شفاهم أو حوّلهم. فالإنسان-الشخص  هو مركز اهتمام يسوع : ” ليس الإنسان للسبت بل السبت للإنسان” (مر 2 : 23 ). وقد بينت الدراسات العلمية الحديثة في التربية والعلاج النفسي والطبي مدى أهمية المقاربة المتمركزة حول الشخص في نجاح العلاج أو التحويل السلوكي أو تبني التعليم. وقوام هذه المقاربة الإحترام والإصغاء والتعاطف والنظرة الإيجابية غير المشروطة المؤسسة في إيماننا على صورة الله في الإنسان وقدرة الإنسان على التحرك نحو مثاله.

تكشف الفرقة الحركية الله إلها متنازلا، محبا حتى الموت،  خفرا يدق على أبواب قلوبنا بحنان دفاق،  صديقا يسمينا أحباء له وأصدقاء،  حبيبا مصلوبا على حريتنا التي يحترمها ويصونها ضد كل أنواع الإستعباد.

الفرقة الحركية مكان اختبار لحياة الشركة

إن حياة الجماعة كما هو ثابت في تراث كنيستنا قائمة على مجتمع العنصرة ومبدؤها الوحدة في التنوع والتنوع في الوحدة وتعاضد الأعضاء الكثيرة في سر فرادة كل واحد منها في جسد المسيح الذي هو أيضا جسد الروح. قد يعوق  آدم القديم فينا هذه الحياة ويضعف روح الشورى. لذلك وجبت اليقظة والتوبة المستمرة على صعيد الجماعة : ” كما يرصد الهر الفأرة ليصطادها كذلك عقل الهادئ يرصد الفأرة العقليّة” (القديس يوحنا السلمي). تدرب الفرقة الحركية أعضاءها على العطاء بما يتطلبه ذلك من مبادرات و وإحساس بالمسؤوليّة ورغبة في الخلق والإبتكار من أجل بناء الجسد. كما تدرب كل عضو منهم  على تقبل ما ينطقه الروح في الآخرين مع ما يتطلبه ذلك من تفهم واحترام وانفتاح ووداعة في سعة ” أحشاء يسوع المسيح” .

الفرقة كمجموعة عمل وخلية حياة

الفرقة كمجموعة بشرية  يمكن مقاربتها من خلال عدسة ديناميكية المجموعات وهذا لا يناقض كونها منتمية الى جسد المسيح لأن البشرية نفسها كخليقة الله الحسنة لها قوانينها الداخلية التي تدعونا المحبة الجديّة الى دراستها علميا من أجل تسهيل تحركها نحو الكلمة ألف وياء الخليقة .

الفرقة مجموعة أعضاء يحيون سويا. يجمعهم هدف واحد يدركونه ويتفقون عليه في رؤيتهم الحركية. في كل مرحلة من مراحل حياة هذه المجموعة يحدد الهدف الواحد والعلاقات بين الإخوة تطور الفرقة ( ولادتها، نموها ونضجها). يغذي هذان العنصران  ( الهدف والعلاقات ) طاقة الوحدة في الفرقة وطاقة الإنتاجية وطاقة الإستمرار. التواصل الحيّ بين أعضاء الفرقة في الإهتمام اليومي ببعضهم البعض يلبي حاجة الأعضاء الى الوحدة : الإنجذاب الى هدف مشترك، الإنجذاب الى العمل المشترك و الإنجذاب الى الإنتماء للمجموعة عناصر لا يمكن إهمالها حتى تولد المجموعة وتنمو.

يعمل محرك المجموعة أولا على التوضيح الدائم للرؤية والهدف وأن يربط كل عناصر حياة المجموعة وتفكيرها والهواجس التي تظهر بهذه  الرؤية الأولى. ويعمل ثانيا على مساعدة الأعضاء في تنظيم التفاعل والعمل والمناقشات والتفكير الجماعي ساهرا على المشاركة الفعالة لكل الأعضاء وعلى الشورى في هذه المشاركة. ويعمل ثالثا على تسهيل خلق المناخ المناسب للرؤية بأن يرافق كل شخص في تفتق مواهبه وشفاء جراحه واقترابه من الله والإخوة.

وبما أن الفرقة كائن حيّ فقد يتولد لديها العديد من التوترات الداخلية خاصة التي يمكن أن تعيق طاقة الوحدة وطاقة الإنتاجية. تأتي هنا طاقة الإستمرارية ( أو الصيانة الدائمة ) حتى تأخذ بعين الإعتبار معنى هذه المعوقات وتحولها فرصة للنمو الشخصي لكل عضو ولكامل المجموعة.

توصيات عمَلية:

الفرقة تغتني بخبرات حياة اعضائها افرادا وجماعة. تحيا بسكب الذات. يعوزها تشويق و فرح .

تنمي عند أعضاءها الإلتزام الحيّ بأبعاد الشهادة الحركية المختلفة  . ومن أجل هذا، كما يقول  الأب الياس مرقص : “ليس المطلوب القيام ببطولات خارقة وأعمال نادرة، فكلمة التزام، التي نرددها كثيرا، أصبحت بعبعا أو حاجزا يفصلنا عن الحياة في الكنيسة في ملء وارتياح …، ويقلقنا ويثبط عزيمتنا وكأنه يستبق الحوادث فيجعل لنا ضميرا غير صالح، وذلك بصورة اصطناعية الى حد بعيد… لذا نحن نبحث الآن موضوع الإلتزام في الكنيسة ليس كأمر خارق يفوق الإعتيادي بل كحياتنا اليومية الطبيعية في الكنيسة والتي يستطيع كل معمد أن يحياها بل يجب أن يحياها في جد وسلام”. أن يرافق المرشد كل عضو ( والأعضاء بعضهم البعض) في اكتشاف وتذليل معوقات الإلتزام الحيّ عنصر أساس في نمو الفرقة في المسيح.

إذًا عيش مع تعليم، أو الأحرى تعليم متجسد.

عمليا تبرز ضرورة تشجيع الأعضاء على ادارة الاجتماع  وذلك عبر تسهيل  المرشد الحاضر للمناخ عبر مداخلاته وتشجيع الأعضاء على مناقشة المصاعب بطريقة مسؤولة . فالهدف أن يصبح الأعضاء أشخاصا بالغين في إيمانهم وتفكيرهم ومعالجتهم للمشاكل.

تنوع الإجتماع بالفقرات مفيد  لتسهيل عملية الاصغاء والتركيز، والاعتماد على اهمية المضمون لا طول الفقرة.

الضرورة أيضا طارئة للعمل على تبني المرشدين والأعضاء طريقة تسهل  حسن فهم العقيدة واتصالها بالحياة، حسن التعبير عن الإيمان ، بوضوح وبساطة.

التوسع في قراءة نصوص المراجع الكتابية للمواضيع المعالجة والتعاطي الحي مع الكلمة  وعدم الاكتفاء بتعداد الآيات  يشجع على المعاشرة السلسة لنصوص الكتاب المقدس.

يمكن  للقاءات الفرق الحركية المشتركة  أن تتيح للأعضاء والمرشدين التفكير سويا  بالوسائل الأفضل لدعوة اعضاء جدد، وسائل الترحيب، وسائل التواصل، وسائل الاصغاء والنقاش، وسائل تحضير الموضيع واعطائه انسجاما مع ما سبق ذكره اعلاه وتساؤلات حول الانسان وما قد يدفعه الى التغيير / التوبة (تغيير عادات، مواضيع، رفقة، معرفة النفس…؟).

عند حدوث أي خلاف، لا بد من محاولة عدم الاستسلام للانفعالات او طمس الموضوع كأنه لم يكن، انما الاستفادة من الازمات لنغوص اكثر،  سعيا لبناء أشخاص صادقين ينسجون علاقات سليمة.   

 

119 Shares
119 Shares
Tweet
Share119