بعد قيامته من بين الأموات وصعوده للجلوس عن يمين القدرة، وَعَدَنا الرّب يسوع بأن يكون معنا طوال الأيّام إلى نهاية العالم (مت 20:28). فأرسل لنا الروح المؤيِّد (يو 7:16)، روح الحقّ الذي يرشدنا إلى الحقّ كلّه (يو 13:16).
منذ العنصرة ونحن نعيش زمن الروح القدس الذي يعطي الذين يؤمنون به أن يتكلّموا بلغاتٍ غير لغتهم (أع 4:2)، أي على طريقة الأنبياء الآخرين المتكلّمين وهم في حالة حماسٍ، والقائلين كلاماً ينقل لنا مشيئة الله الثابتة في حياتنا وحاجاتنا اليوم. من هذا المنطلق، ترانا نحن الحركيّين نستذكر بعض الأشخاص ونستشهد بكلامهم في حياتنا اليوميّة واجتماعاتنا. هؤلاء الأشخاص هم أناس مجاهدون، على طريقة القدّيسين، عاشوا أو يعيشون بيننا. هم مشهود لهم من الجماعة بأنّهم رجال الله مُصلّون تائبون يحملون بكلامهم نفحاتٍ نبويّةً تُترجم لنا بشكلٍ معاصرٍ كيفيّة عيشنا حياة المسيح. لذلك يمكننا اعتبارهم قنواتٍ للروح القدس يسكب الله من خلالها نِعمَهُ عَلينا. نحن لسنا أتباعهم لأنّ لنا وسيطًا واحدًا نتبعه ونُسَمَّى باسمه ألا وهو يسوع المسيح. مقياس صحّة أقوالهم هو مقدار ما هم معمدانيّون أي هم يَنقُصون ليزيد هو. هم قبلوا الذي جاء وهو مكَّنهم أن يصيروا أبناء الله (يو12:1). من هنا تأتي أهميّة استشهادنا بأقوالهم وحياتهم وأشخاصهم، إذ هم أدوات تعزية الروح القدس ينيرون دربنا ويقودوننا إلى ميناء الخلاص.
فِعلُنا هذا ليس من باب المجاملة، وردِّ الجميل لهؤلاء، بل هو حقُّ الله علينا. إذا كنّا نعتقد بأنّهم يعكسون نور السماء، فحقّ السماء علينا أن لا نستحي بهم وبكلامهم وبأشخاصهم، فنضعهم تحت المكيال بل على المنارة (مر 21:4) فيراهم ويسمعهم الناس فيمجّدوا أباهم الذي في السموات.(مت 16:5).
يجدر بنا بعدما قيل آنفاً، أن ننبّه إلى مُنزَلقاتٍ قد تؤدّي إلى ممارساتٍ لا تنسجم مع تقليد كنيستنا:
- علينا الابتعاد عن إعطاء صفة الإطلاق لأيّ شخصٍ لأنّه “ليس من إنسانٍ يحيا ولا يخطئ”. مقياس صحّة تعليم هؤلاء يأتي من نظرتنا إلى تعليم وتقليد الكنيسة. هذه النظرة ليست اجتراريّة، تكراريّة، جامدة بل محيية، مبدعة، تَستَقرِىء الأزمنة.
- علينا أن لا نكتفي بتكرار ما قالوه أو عاشوه بل أن نحذو حذوهم عبر ترجمةٍ جديدةٍ دائماً، لحقائق إيماننا.
- حذارِ أن نستعملهم كسيف مسلطٍ على رؤوس المؤمنين. فالسيف هو أداة موت وهم أدوات حبّ المصلوب المحيي.
- علينا الابتعاد عن التعامل معهم، وبخاصّةٍ وهم على قيد الحياة، بطريقة العالم. لنتجنّب مظاهر التكريم والاحتفال الدنيوية لأنّه من المفترض أنّهم لا يبتغون الإجلال والتفخيم. واجبنا أن نتأمّل في تراثهم المكتوب والمعاش، بخفرٍ وصلاة لعلّ الله يساعدنا بفرز القمح عن الزوان في ما تركوه.
وصيّتان أخيرتان علينا تذكّرهما:
- لا نقف عند الأشخاس مهما كانوا أو قالوا، بل علينا اعتبارهم نوافذ مفتوحة على السماء، ومرايا تعكس نور المسيح المرشد إلى الملكوت.
- لا نتقاعس عن التفتيش بالسراج والفتيل عن كلّ مظهر من مظاهر القداسة حولنا. نحن أناس رجاءٍ نؤمن بأنّ من افتقدنا مرّة يفتقدنا دائماً عبر قدّيسيه.
فلنفرح بافتقاد اللّه لنا في هذا العالم البائس.
حميد الدبس