أنواع الخطايا

mjoa Wednesday June 3, 2020 449
  • “هل الخطيئة أنواع: كبيرة وصغيرة، وحساب كل منهما يختلف؟ ما هي الطريقة لتوجيههم؟”*

 

  1. إن مجرد ذكر “الحساب” الوارد في السؤال أعلاه، يعني أن مفهوم الخطيئة الذي ينطلق منه السؤال المذكور قد يكون مفهوماً حقوقياً وفق التصور الآتي: يرتكب الإنسان ذنباً بمخالفته أوامر الله، فيحاسبه الله على هذا الذنب، وقد تكون المخالفة كبيرة، فتسمى خطيئة كبيرة ويكون الحساب عنها عسيراً، وقد تكون المخالفة صغيرة، فتسمى خطيئة صغيرة، ويكون حسابها أيسر.
  2. مطلوب منا أن نتخطى هذه الصورة، صورة المخالفة والحساب التي، وإن وردت في الكتاب المقدس، لا تتعدى كونـها مجرد صورة لا يمكن أخذها بحرفيتها وإلا شوّهت جوهر ما كشفه لنا يسوع المسيح عن الله وعن علاقتنا به، ألا وهو: “إن الله محبة. فمن أقام في المحبة أقام في الله وأقام الله فيه” (1 يوحنا 16:4).
  3. من هذا المنظور ينبغي أن نتناول موضوع الخطيئة. الله يحبنا وهو يوجدنا في الكون (“يوجدنا” وليس “أوجدنا” لأن وجودنا في كل لحظة مستمد منه ومرتبط به، كمياه الساقية من النبع) لأنه يحبنا، ويعطينا خيرات الدنيا (من شمس وهواء وطعام وشراب وأهل يحبوننا وعيون نرى بـها النور والجمال وآذان نسمع بـها الأنغام والتغاريد وعقل نفكر به وقلب نحب به…) لأنه يحبنا. وقد أحبنا إلى حد أنه أرسل ابنه الوحيد يسوع المسيح ليصير واحداً منّا ويعيش معنا ويموت من أجلنا ويهبنا حياته كي تنعش وتجدد حياتنا. الله هو البادئ بحبنا وهو ينتظر منا جواباً. فإذا أجبنا على حبه بالحب وترجمنا هذا الحب بمحبة نقدمها للناس إخوتنا، نكون معه وهو يكون معنا، نكون فيه وهو يكون فينا. وإذا كان الله معنا وفينا تكون الحياة فينا ويكون النور فينا. نكون كمن يفتح نوافذ بيته ليدخل إليه نور الشمس ويملأه الهواء النقي. أما إذا أجبنا على محبة الله بإغلاق قلوبنا دونه، فلم نـهتم به ولم نـهتم بأخوتنا بل انشغلنا فقط بما يرضينا وبما يحلو لنا، فإننا بموقفنا هذا نمنع الله عنا، فنبقى خارج الحياة والنور، كمن يغلق نوافذ بيته فلا يدع الشمس تدخل إليه لتضيئه ولاي يدع الهواء يتجدد فيه ليحييه.
  4. هذا الامتناع عن الله والانطواء على الذات هو ما يسمى بـ”الخطيئة”. والخطيئة تجرح الله بالطبع لأنـها رفض للتجاوب مع محبته وإحباط لرغبته في إقامة صلة حب بنا، وتؤذي الآخرين لأنـها تحرمهم من محبتنا وهم بحاجة إليها لينتعشوا وينطلقوا، ولكنها قبل كل شيء تؤذينا نحن لأنـها تضعف الحياة فينا. فالإنسان يحيا فعلاً بقدر ما يحبّ، إذ الحب هو بمثابة التنفس الذي يغذي الحياة فيه ويجددها. أما إذا لم يحبّ فهو على هامش الحياة الحقيقية. إنه يجفّ وييبس كما يحصل للغصن لو أراد أن يعتزل عن الشجرة التي تمده بالحياة.

  5. وكما أن للمرض درجات، فبعض الأمراض تضعف الحياة قليلاً وبعضها تضعفها كثيراً وبعضها قد يـهدّد الحياة بالزوال، هكذا فالخطايا درجات تختلف باختلاف درجة رفضنا للحب وانطوائنا على أنفسنا. فقد يغلق الإنسان نوافذه كلياً ويضع خلفها ستائر سوداء يحكم الاحتماء بـها من النور بحيث لا يدع أي بصيص منه يتسرّب إلى بيته، فيغرق هكذا في عتمة كاملة. وقد يشقّ نوافذه ليدخل منها جزء يسير من النور يتلمس به طريقه، أو قد يفتحها جزئياً دون أن يتجرأ على فتحها على مصراعيها ليغمر النور بيته. على هذا المنوال يتّخذ رفضنا للمحبة درجات. فقد أجرح مثلاً رفيقي في الصميم بتوجيهي إليه عبارات مهينة تذله، وقد أكتفي بالتحدث إليه بفظاظة دون أن أسيء كثيراً إلى كرامته. في الحالة الأولى – وبالطبع على قدر وعيي لما يصدر عني من شرّ وتعمّدي له – أبتعد عن المحبة، وبالتالي عن الحياة الحقيقية، أكثر مما أبتعد في الحالة الثانية، لأنني، في الحالة الأولى، أقطع صلتي برفيقي (وأصدّع بالتالي بشكل خطير علاقتي بالله نفسه) أما في الحالة الثانية فالصلة تضعف ولا تنقطع.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أجيب عنه في 24/3/1989 في حلقة تدريب لمرشدي الطفولة في أبرشية طرابلس الأرثوذكسية.

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share