في الخطيئة

 مرسيل مرقص Tuesday July 21, 2020 156

 مرسيل مرقص

   عندما يوصي الأب ولده بألّا يقدم على عمل يضرّ بصحّته، وإذا أقدم الولد على هذا العمل، يكون قد خالف والده، ولكنّه يكون في الدرجة الأولى أَضرّ بصحّته: فالأب لا يفرض على ابنه فروضًا لكي يقيّده بها ويضايقه، إنّما يملي عليه الوصيّة لكي يحفظ صحّته الغالية عليه، ولأنّه أعلم من الابن في أمر صحّته.

هكذا أَمر الخطيئة فعندما يوصينا الله الآب بألّا نقتل ولا نسرق ولا نزني هو لا يريد أن يفرض علينا فروضًا يقيّدنا بها ويضايقنا، إنّما يريد أن يحفظنا من الشرّير – لأنّه المجد لاسمه – أَعلم منّا في أمر خيرنا وهنائنا…

وعندما يخالف الابن وصيّة أبيه، فيتضرّر بصحّته ويمرض ويتألّم، لا يجازيه أبوه فوق الشرّ شرًّا، إنّما يكون جزاؤه المرض ذاتهه والألم عينه الذي أصابه..

هكذا أمر الخطيئة، فهندما نخالف الله في وصاياه، فنتضرّر في هنائنا ونفسد ونفتقر ونتعذّب، لا يجازينا الله فوق الشرّ شرًّا، إنّما يكون جزاؤنا الفساد عينه والعذاب ذاته الذي تولّانا من أمر الخطيئة ونكون قد أَجدنا لأنفسنا بأنفسنا جهنمًا.

غير أنّه لمّا يخالف الابن وصيّة أبيه، لا يعود يُفكّر بصحّته وبغاية الوصيّة، إنّما يذكر الوصيّة كوصيّة، كأنّ لا غاية من ورائها، ويتساءل هل أخالفها وكيف أخالفها ولماذا لا أخالفها؟ فيذكر المخالفة وينسى صحّته.

وهكذا أمر الخطيئة فعندما نُخطئ الى الله أبينا، لا نعود نفكّر بالسلام الذي أراده الله لنا من وراء وصيّته، إنّما نذكر الوصيّة كوصيّة، كأنّ لا غاية لها ولا معنى ونقضي حياتنا نتساءل هل نخالفها وكيف نخالفها ولماذا لا نخالفها؟ والمخالفة هنا سمّوها خطيئة، فنذكر الخطيئة وننسى سلامنا وحياتنا.

وهكذا فقد اتّخذت فكرة الخطيئة هذه الأهمّيّة الكبرى في تفكيرنا، وصرنا إذا ذكرنا عملًا ما لنعمله، نفكّر أوّلًا هل هو خطيئة أم لا، وهل يا ترى لا يكون خطيئة، وربما لا يكون خطيئة حتّى نفعله، كأنّ الخطيئة مقياس العالم وأصله وأساسه، وكأنّ لا شيء. هنالك فوق الخطيئة ولا مقياس ولا أساس أثبت منها وأتمّ وأكثر دوامًا..

لا يا أخوتي، الخطيئة ليست أساسًا. قبل خطيئة آدم لم يكن الإنسان يعرف الخطيئة، إنّما كان يعيش مع الله بسلام وهناء. ولولا خطيئة آدم، لما عرفنا الخطيئة أبدًا. فالخطيئة جاءت عرضًا «صدفة» إذا أمكن القول، لأنّ الله تعالى لم يخلق الإنسان للخطيئة. الخطيئة بالنسبة إلى الحياة مثل «بين هلالين» في جملة تامّة المعنى بحدّ ذاتها.. وقد افتتح هذه «البين هلالين» آدم بخطيئته الأولى، خطيئة التمرّد والابتعاد عن الله. لكنّ الله تعالى أراد منذ ذلك الحين أن يعيد الإنسان إليه ويختتم «البين هلالين» وقد اختتمها فعلًا لمن يريد من البشر «من أراد ان يتبعني» بنزول السيّد المسيح على الارض، الذي علّمنا وأعطانا نعمة أن نعيش خارج الخطيئة.

فالخطيئة إذًا ما هي إلّا شيء طارئ، عرضيّ، شيء مؤقّت يزول، شيء ثانويّ ليس له أهمّيّة أصليّة ولا وجود أصليّ، فلا نبني حياتنا ونظرتنا إلى المسيحيّة على فكرة الخطيئة وعلى فكرة خاطئة سليمة، فكرة الضغط والقيد والعقوبة.

 

 

المرجع: مجلّة النور، العدد الثاني، شباط، ١٩٥٤.

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share