الأرشمندريت إلياس مرقص
لا شكّ في أنّنا في الكرسيّ الأنطاكيّ المقدّس نميل إجمالًا إلى النقد وما إليه. وهذا يكون عمليًّا بلا جدوى، بل لا يتأتّى منه سوى شيء من المرارة والشعور بالإحباط.
نعم لا بدّ من أن تواجه الأوضاع والمشاكل وتعالج لإزالة الأخطاء والنواقص، ولكن نظاميًّا وبروح إيجابيّة، لا سلبًا وعشوائيًّا بالذمّ والتذمّر… فهذا لا يتّفق وروح المسيح.
فيسوع لا يذمّ من أجل الذمّ بل من أجل إيقاظ الضمائر وزعزعة الاعتداد الكريه بالذات، ولذا يأتي توبيخه شديدًا جدًّا: «يا أولاد الأفاعي» (متّى ٣: ٧)… وقد يكون شيء من هذا ضروريًّا أحيانًا إذا ما تفاقم سوء النيّة والعناد في الشرّ.
أمّا نصيحته العامّة والأساسيّة للسلام الداخليّ وللسلام بين الإخوة فهي: «لا تدينوا لئلّا تدانوا» (متّى ٧: ٨). وأقوال رسله تدعم ذلك: «لا يذمّ بعضكم بعضًا» (يعقوب ٤: ١١- ١٢)، بل «اطرحوا كلّ مذمّة» (بطرس ٢: ١٢)، و«لا يئنّ بعضكم على بعض» (يعقوب ٥: ٩)، بل «أكرموا بعضكم بعضًا… واشكروا على كلّ شيء» (١ تسالونيكي ٥ : ١٨) و«كلّ الأشياء تعمل معًا للخير للذين يحبّون الله» (رومية ٨: ٢٢).
وهذا يوحي بالجوّ الذي ينبغي أن يعيش المسيحيّون معًا بموجبه، جوّ إيجابيّ، حلو، مفعم باللطف والوداعة والمحبّة.
ونذكر هنا نصيحة الشيوخ الرهبان في المجتمع الرهبانيّ: «ليكن اسم أخيك حلوًا في فمك»… وصلاة أفرام السريانيّ: «هبّ لي أن… ولا أدين أخوتي».
ولكنّ الأهمّ في هذا الموضوع هو أنّ للنقد السلبيّ وجهًا شيطانيًّا، أحيانًا، لا سيّما في المحيطات (المجتمعات) الضيّقة كالشركات الرهبانيّة مثلًا، وأنّ روح الشرّ هو الذي يجرّنا إليه من دون أن نعي ذلك. يأتي يوم، وربّما بعد سنين عديدة، يختبر الراهب الميّال إلى النقد والإدانة في الشركة الرهبانيّة أنّ هذا هو وجه شيطانيّ حقًّا، فيحسّ بمدى بشاعته وخطورته وما يولّده من جفاء وعقم ومرارة.
فإبليس في الكتاب المقدّس هو «المشتكي»، «الذي يشتكي على إخوتنا أمام إلهنا نهارًا وليلًا» (رؤيا ١٢: ١٠)، وهو الذي يبرز السلبيّات دون الإيجابيّات. فبإيحائه تذمّر العمّال على ربّ العمل (متّى ٢٠: ١١ و١٢)، وبإيحائه صرخ اليهود: «اصلبه اصلبه» (لوقا ٢٣: ٢١).
وبسريان روح الشرّير هذا تكثر المرارة وتضعف الهمّة ويتلاشى الصفاء. نعم، ما من شكّ في أنّه وجه شيطانيّ يُعيق في كنيستنا الأنطاكيّة فعل النعمة الإلهيّة.
فليعطنا الربّ أن نعي في العمق وضعنا هذا ونعمل على إبعاد روح النقد السلبيّ عن تخومنا، فيسود الصفاء والعمل البنّاء المشترك لمجد اسمه القدّوس، آمين.
المرجع : مجلّة النور، العدد الرابع، ٢٠٠٣.