كلمة الأمين العام الأخ رينه أنطون في اللقاء الذي أقامه اليوم مركز حلب إحياءً لذكرى الأخ الدكتور نهاد خوري، بمشاركة سيادة الوكيل البطريركي الأسقف أفرام معلولي ووكيل الأبرشية العام الارشمندريت موسى الخصي وكهنة ومطارنة سائر الطوائف وممثلين عن الجهات والهيئات الدينية والاجتماعية والطبية في المدينة.
تستوقفني المناسبة، أولاً، أمام وجه راعي هذه الأبرشية المُغيَّب عن عيونِ أبنائها وعيوننا المطران بولس، سائلاً الربّ أن يُنعمَ علينا به، وبالمطران يوحنا ابراهيم، حرّين من أسر الإجرام، سليمَين، معافَين، فائقيّ الكرامة.
أيها الأحبّة.
مِن الوجوه مَن يعبرُ بنا، وفينا يرسو. ومنها مَن يَمرّ ويأفل. سرُّنا، ونحن “تلاميذٌ” على الرجاء، أنّنا عُشّاق وجهٍ في لدنه تُحفَر الأسماء، وفي نزفِه تَخلُد الوجوه. سرّنا، وقد غُسِلنا بسائِل الفداء، أنَّ ما مِن وجودٍ لأحبةٍ فينا يرهُنه، بعدُ، الحضورُ.
نهاد خوري، إسمٌ من تلكَ الأسماء، واحدٌ من هؤلاء الأحبّة، وَوجه. فلا نعتقدنَّ أننا نلتقي، اليوم، حوله في ذكراه. نحن نلتقي الأخ نهاد فينا، ومعهَ في الربّ. نلتقيه، كما هو بيننا في حركة الشبيبة الأرثوذكسية، رسولاً مرفرفًا فوق الحدود، مدفوعًا برياح السماء الى حيث يغرس في حقولِ الأرض أغصانَ الملكوت.
نلتقي الأخ نهاد، كسائر الكبار في المسيح، مرشدًا قادَ بالحبّ، أثَّر بالوداعةِ، تلمذَ بالفرح، خدَم بالبسمة، ارتاحَ بالتعب. نلتقيه جرّاحًا داوى الأجساد وحصَّن شفاءها بنهضة النفوس، قائدًا رذل ما للأرض دونَ سماء، قائدًا رذلَ المكانة الترابية لئلا يستحيل يومًا غُبارًا، ونشدَ المكانةَ العُلوية ليتأبَّد، شفيعًا لنا، همساتٍ في أُذن الربّ تستكملُ لنا الشفاء. نلتقي الأخ نهاد ناسكًا متجوّلاً بالربّ حاملاً إيّاه كلمةً للجاهلين، وقوتًا للجائعين، وافتقادًا للمحتاجين ودواءً للمرضى، وتعزية للحزانى.
أيها الأحبّة،
يحضُرني اليوم، ترافقًا وكون الأخ نهاد قد رقَد بفعل الوباء، ما شعَّ من هذا النُسكِ من حبٍّ يستقيم بعلاقة العلم بالايمان. يحضرني الأمرُ في ظلّ ما تتخبّط به بعضُ الأوساطِ المؤمنة من مواقف واراءٍ ازاء ما يُصيب العالم ويجتاحه مِن وباء. يحضُرني الأمر لأنَّ الوفاء للعلماء المؤمنين، لا بل لأنّ الوفاءَ للربّ، في ظلّ هذا التخبّط يقتضي التذكير أن الله صُلِب لكيّ لا يكون لنا صلبٌ بل حياة، وأنَّ مسيحنا يئِنّ مع كلّ من يَئِنُّ من وباء، ويُجرَح مع كلّ من يجرَحُه موت، ويَنشُد ما يُنقذ العالم من مأساته مع كلّ من يَنشُد الانقاذ. الوفاء للفداء يقتضي التذكير، والبشرية في ذروة معاناتها، أنّ الله ليسَ حيثُ به يُلغى، بل حيثُ بحبّه يُعمَل. وهذا تحديدًا، اليوم، حيث كلّ عالمٍ يسهر ويبحث، وكلّ طبيب يداوي، وكلّ وجهٍ يرعى، وكلّ ساعدٍ يخدم، وكلّ قلب يصلّي، وكلّ شخصٍ يُعطي.
أيها الأحبّة، لعلّ ما يختصر الكلام، هو ان الأخ نهاد عمل بهذا الحبّ، وذروة حبّه تجلّت في تشبّثه بخدمة بلده وشعبه مهما بلغت الالام. ركبَ قافلة التلامذة في حلب، كالارشمندريت انطون فرح، والاب جورج شحوارو، والأخ اسكندر ورد والاخت مي خوري سمعان وغيرهم ممّن غرسوا الربّ في نفوسٍ ووصَلوا بين أرجاء كنيسته الأنطاكية بأجسادهم. هؤلاء، والأخ نهاد، لتجلّي الحبّ فيهم لن يكون لهم موت، لان المسيح قام ولا ميت في القبر.
ولكم جميعًا السلام.