مع تغيّر الحياة الاقتصاديّة في القرن الحادي والعشرين، تأثّرت أُسس الحياة الاجتماعيّة، ومنها دور الأب الأساسيّ في البيت. كما ويشكّل الضيق الاقتصاديّ حِملًا يدفع بالزوجَين إلى العمل خارج البيت، الأمر الذي يشتّت فكرهما، ويبعدهما عن أولادهما، وأحيانًا عن بعضهما. وعند حضورهما في البيت ينشدان الهدوء والراحة، بسبب الضغط الحاصل عليهما في العمل.
الرجلُ زوجٌ وأبٌ، ولديه مسؤوليّة أساسيّة في احتضان عائلته: “من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمّه ويلتصق بامرأته ويكون الاثنان جسدًا واحدًا” (متى 19: 5). هذا يعني أنّ للرّجل مبادرة أساسيّة في البيت، فلا يمكنه أن يتّكل بشكل كامل على زوجته، ويضع دوره جانبًا مهملًا مسؤوليّاته، ومنشغلًا بأمور غير أساسيّة على حساب الوقت اللاّزم لإتمام أمور تخصّ زوجته وحمايتها، ورعاية أولاده. وذاك الإهمال، إن حصل، يؤدّي الى انهيار البيت على من فيه، أي إلى ضياع الأولاد وربّما الزوجة أيضًا.
فما الذي يجب أن يعيه الأب اليوم؟
نذكر هنا أمرَين إثنين هامَين:
الحياة الروحيّة: الزواج سرّ، هدفه خلاص الإنسان وطلب ملكوت الله على الأرض. لذا، يعمل فيه روح الله بقدر انفتاح الزوجَين على تقبّل عمله في حياتهما الزوجيّة. هذا السرّ يُعاش فيه الحبّ المكسور (المضحّي) من أجل الآخر، ويتجسّد بالتعاون المسؤول والمستمرّ بين الزوج والزوجة في القيام بالتربية والأعمال المنزليّة. ولكنّ نجاحَ استمراريّة هذا التعاون يتوقّف على مدى عمق الحياة الروحيّة للمتزوّجين، وهذا يعني حياة الصلاة والعلاقة مع الله. فالرجل الذي لا يُصَلّي، لا قُدرَة له على مواجهة تحدّيات العالم وتجاربه. كما وترافق المرأة زوجها وأولادها بصلاتها أينما كانوا، وتحثّهم على المشاركة في الحياة الأسراريّة (الاعتراف، المناولة).
المعرفة الإيمانيّة: لعلّ وفرة المعلومات، الصحيحة منها والمغلوطة، تجعل إنسان اليوم في حيرة من أمره تجاه خيارات كثيرة ملقاة على عاتقه. إنّ جهل المعرفة الإيمانية الصحيحة تجاه ما يطرأ في الحياة، والتسرّع في إطلاق أحكام بعيدة عن رؤية الكنيسة الإيمانية لما هي العائلة وهدف الحياة الزوجيّة، يؤدّي إلى أزمات عائليّة كبيرة. وممّا يجعل الأمور أكثر سوءًا اللجوء إلى الحُكم على الأمور إنطلاقاً من آراء اجتماعيّة سائدة (إذا كانت الأكثرية تفعل هذا، إذًا هو أمر جيّد)، أو بناءً على خبرات أُناسٍ لا علاقة لهم بالإيمان والكنيسة، أو بشكل نسبيّ (ما يبدو لي حسنًا اليوم يكون الأمر الذي أفعله، بغضّ النظر عمّا تقول الكنيسة). وبما أنّ للأب القدرة على التأثير في مصير أبنائه، فالذي يسير وراء الله سوف يمهّد الطريق لأولاده لينموا بالروح، وهذا أهم من العلم والمال. لذا، فإنّ التعمّق في معرفة أُسُس الإيمان الأرثوذكسيّ، وقراءة الكتاب المقدّس، وكتابات الآباء، وسير القدّيسين (وأصبح الكثير منها متوفّرًا في اللّغة العربيّة)، والتحاور مع كهنة ومؤمنين آخرين حولها، ينوّر الفكر ويُعطي الأب الحكمة في حسن التصرّف وإرشاد الأولاد بحسب مشيئة الله ورضاه، ليربّيهم “بتأديب الربّ وإنذاره” (أفسس 6: 4).