هؤلاء القدّيسون العشرة المستشهدون في كريت هم ثيوذولوس وزوتيكوس وبومبيوس وفاسيليذيس وأفبوروس وأغاثوبوس وساتورنينوس وجيلاسيوس وأفنيكيانوس وإيفارستوس. لاقوا استشهادهم في زمن الإمبراطور الرومانيّ داكيوس قيصر. وقد استيقوا إلى غورتينا من أماكن عدّة كغنوصص وأبينيوم وبانورمس وكيدونيا وهيراكليوم، ثمّ أُهينوا وجُرّروا على الأرض وضُربوا ورُجموا. وقد تعرّضوا للهُزء شهرًا كاملًا، فسخِر الوثنيّون منهم وشتَموهم وتفلوا عليهم ولكموهم وألقوهم في الزّبل وهم صامدون يومًا بعد يوم. في الثالث والعشرين من شهر كانون الأوّل مثَلوا أمام حاكم الجزيرة، الذي أمَرهم أن يضحّوا لجوبتير الذي كان أبرز الآلهة المعبودة هناك، وقد صدف أنّ أهل الجزيرة كانوا يقيمون احتفالًا خاصًّا انطوى على كلّ أنواع المجون والتّسليات. فكان جواب الشهداء أنّه لا يمكنهم أن يذبحوا لجوبيتر أبدًا. فقال لهم الحاكم: “سوف تعرفون قوّة الآلهة العظيمة. أنّكم لا توقّرون هذا المحفل العظيم الذي يعبد جوبيتر وجونو وريا وسواهم”. فأجاب الشهداء: “لا تذكر جوبيتر، يا جانب الحاكم، ولا أمّه ريا. لسنا نجهل أصله وفصله ولا تاريخ حياته وأعماله. وبإمكاننا أن ندلّك على قبره. لقد زاد في هذه الجزيرة وكان طاغية ماجنًا متهتّكًا يلوّث نفسه، كلّ ساعة، بأنواع الجرائم والنجاسات مستعملًا الرّقية والسَِحر لإغراق غيره في اللّهو والمجون. فكلّ الذين يعتبرونه إلهًا إنّما يؤلّهون فِسقه وإسرافه إن تمثّلوا به”.
وإذ لم يكن في طاقة الحاكم أن ينكر أو يدحض التّهم الموجَّهة إلى هذا الإله المسخ، امتلأ غيظًا واهتاج الوثنيّون الحاضرون وكادوا أن يمزّقوا الشهداء إرَبًا لو لم يمنعهم لأنّه شاء أن يروي غليله بتعذيبهم والتنكيل بهم. وأسلَمَ العشرة إلى شتّى صنوف التعذيب. بعضُ الشهداء رفع على المخالع ومُزّقت أبدانهم بالمسامير الحديديّة حتّى غطّت الأرض مِن تحتهم قطع من لحمانهم. آخرون طعنوا في جنباتهم، وفي كلّ موضع في أجسادهم، بحجارة حادّة وقصب وعيدان مسنّنة. آخرون ضُربوا بكريَات مدبّسة ثقيلة من الرّصاص تسبّبت في تحطيم عظامهم وتفكيك أوصالهم وترضّض وتمزيق لحمانهم. كلّ هذا كابده الشهداء بسلام وفرح داخليَّين وكان بعضهم يردّ على صيحات الحاكم والرّعاع الدّاعين إيّاهم حقن الآلام والتضحية للآلهة بالقول: “نحن مسيحيّون! حتّى ولو ادّخرتم لنا ألف ميتة فإنّنا نقتبلها بفرح من أجل المسيح”. كلّ المدينة اجتمعت إلى هذا المشهد وسرَت بين الناس حمّى التعذيب حتّى باتوا يطالبون الحاكم بالمزيد منه إشباعًا لِلَظى النقمة وشهوة الموت فيهم. والحاكم بدوره كان يصرخ بالجلّادين أن يمعنوا بتعذيب الشهداء. وسط هذا المشهد البربريّ كان القدّيسون مجموعة خراف وديعة بين نمور هائجة، ولا تسمع منهم، من وقت لآخر، إلّا أصوات التسبيح لله والثبات على الأمانة له.
أخيرًا طال انتظار الوالي ولم ينتفع شيئًا. استنفد عنفه ولم يُصِب صيدًا. فأمَرَ بقطع رؤوس الجماعة. فاستيق العشرة إلى موضع الإعدام خارج المدينة وهم يصلّون إلى آخر نفس فيهم سائلين رحمة ربّهم، على أنفسهم وعلى المسكونة، وأن ينجّي سكّان الجزيرة مِن عمى الجهل الروحيّ ويأتي بهم إلى النور الحقيقيّ. وقد قيل أنّهم كانوا متحمّسين مَن منهم يتقدّم إلى منصّة الإعدام أوّلًا. ولمّا تمّت شهادتهم وخلا المكان من الحشد، جاء مسيحيّون وأخذوا أجسادهم ودفنوها. وقيل جرى نقل رفاتهم، فيما بعد، إلى رومية. وقد ورد على لسان آباء مجمع كريت المنعقد سنة 558 م، في رسالة وجّهوها إلى لاون الإمبراطور، أنّ شفاعة هؤلاء القدّيسين الشهداء هي التي حفظت الجزيرة من الهرطقة إلى ذلك اليوم.
طروبارية القدّيسين الشهداء
لنكرِّمنَّ إقريطش ذات العجب العظيم، التي أزهرت الأزهار المكرَّمة، الجواهر التي للمسيح، وزعماء الشهداءِ، لأنّ المغبوطين وهم عشرة في العدد، قد أخْزَوا قوَّة ربوات الشيطان، فلذلك نالوا الأكاليل بما أنهم شهداءٌ ثابتو العزم للمسيح.