عيد ميلاد ربّنا وإلهنا ومخلّصنا يسوع المسيح بالجسد

mjoa Sunday December 25, 2022 264

nativity3“لمّا حان ملء الزمان، أرسل الله ابنه مولودًا من امرأة، مولودًا تحت الناموس ليفتدي الذين تحت الناموس لننال التبنّي” (غلاطية 4 :4 -5).
الميلاد في الإنجيل
الكلام على ميلاد الربّ يسوع بالجسد ورَدَ مفصَّلًا في إنجيلَين وحسب، هما إنجيل متى (1 :18 -2 :23) وإنجيل لوقا (2 :1 -20 ). متّى الإنجيليّ جعل ولادة الرب يسوع في أيّام هيرودوس الملك المعروف ب”الكبير”.  ولكن تبيَّن، فيما بعد، أنّ هيرودس رقَد قبل ذلك بأربع سنوات، أي في السنة 749 لتأسيس روما، فتكون وفاة هيرودوس قد حدثت، وفق تقويم ديونيسيوس الميلاديّ، في 4 ق.م. أمّا ولادة الرّب يسوع فليس تاريخها معروفًا بصورة محدّدة دقيقة. ويوقعه الدّارسون ما بين السنة التاسعة والسنة الرابعة قبل الميلاد.
أمّا لوقا الإنجيلي، فجعل ولادة الرّب يسوع بعد ولادة يوحنّا بن زكريّا بما يقرب من الأشهر الستّة. فقد ربط ولادة الرّب يسوع بحدث تاريخيّ من زمن أوغسطوس قيصر (29 ق.م – 14 ب.م) هو إحصاء السكّان في “كلّ المسكونة”، على حدّ تعبير لوقا، أي في كلّ الإمبراطوريّة الرومانيّة، لأغراض ضريبية أوّلًا.
كانت ولادة الرّب يسوع في بيت لحم الواقعة في اليهوديّة تمييزًا لها عن بيت لحم الواقعة في زبولون. تبعد عن أورشليم حوالي ثمانية كيلومترات لجهة الجنوب. لوقا يدعوها” مدينة داود” لأنّ داود كان منها (راعوث 1 :2 ،19؛ 4 :11 ) وفيها اقتبل المسحة الملوكيّة بيد صموئيل النبيّ (1 صموئيل 16). كذلك بقرب بيت لحم راحيل قديمًا دُفنت ونُصب عمود على قبرها (تكوين 35 :19-20 ). وعن بيت لحم كتب ميخا النبيّ يقول: “أمّا أنت يابيت لحم، أفراثا، وأنت صغيرة أن تكوني بين ألوف يهوذا، فمنك يخرج لي الذي يكون متسلّطًا على إسرائيل ومخارجه منذ القديم منذ أيّام الأزل” (ميخا 5 :2).
ليس الموضع الذي ولد فيه الطفل يسوع، في بيت لحم، محدَّدًا. متّى الإنجيليّ يكتفي بذكر بيت لحم بعامّة، فيما يذكر الإنجيليّ لوقا أنّه لمّا ولدت مريم ابنها البكر قمّطته وأضجعته في المذود “إذ لم يكن لهما موضع في المنزل”(2 :7). المكان، إذًا، مزرب للحيوانات. ولكن، هل كان مزربًا تابعًا لأحد الخانات أم لأحد المنازل في القرية، وأيّ منزل يكون؟ ليس واضحًا. تجدر الإشارة إلى أنّ أوّل مَن ذكر أنّ الولادة كانت في مغارة في بيت لحم كان القديس يوسينوس الشهيد (القرن 2 م). ثمّ انتقلا إلى الناصرة، إثر حلم، بعد ولادة الرّب يسوع، خوفًا من أرخيلاوس ابن هيرودوس الذي كان على اليهودية وكان بطاشًا (متى2 :22 -23).
وُلد الرّب يسوع من مريم البتول بعدما حُبل به فيها من الروح القدس (متى 1 :20؛ لوقا 1: 35) من غير أن تعرف رجلًا. مريم كانت عذراء مخطوبة لرجل من بيت داود اسمه يوسف (لوقا 1 :27). هو دُعي رجُلها (متى 1: 19) وهي دُعيت امرأته (متى 1: 20) لأنّ الخطوبة، في الشريعة الموسويّة، عقد زواج ملزِم . ترددّ يوسف، أوّل أمره، لمّا عرف أنّ مريم حبلى. خطَر بباله أن يطلقّها. وإذ كان بارًّا ولم يشأ أن يعرّضها للفضيحة وللموت رجمًا همّ أن يفعل ذلك سِرًّا. هنا تدخّل ملاك الرّب، وكشف له حقيقة أمر مريم ودعاه لأن يأخذها إلى خاصّته غير مرتاب، وأن يعطي الابن الموعود اسم يسوع. تجدر الإشارة إلى أنّ الابن الشرعيّ عند اليهود كان يُحسب من نسب أبيه بغضّ النظر عمّا إذا كان من صلبه أم لا. لهذا السبب جاز القول عن يسوع أنّه ابن يوسف (متى 13 :55؛ لوقا 4 :22)- مع أنّه دُعي أحيانًا “ابن مريم” (مرقص 6 :2)- وتاليًا أنّه ابن داود ولو لم يكن هناك ما يؤكّد، في النصوص الكتابيّة،أنّ مريم أمّه كانت هي أيضًا من”بيت داود وعشيرته”.
هذا وإنّ الهمّ الأوّل لمتّى الرسول في روايته، كان التأكيد أنّ هذا هو المسيح المخلّص الموعود به لإبراهيم وداود . لذا افتتح إنجيله بهذا القول: “كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود ابن إبراهيم” ثمّ فصّل. كذلك حرص على تبيان أنّ مَن تحدثّت عنه الكتب المقدّسة هو إيّاه الرّب يسوع.
أمّا لوقا الرّسول فكان له في إنجيله أفُق مختلف. همّه كان بالأحرى التأكيد أنّ ولادة الرب يسوع كانت حدثًا تاريخيًّا وأنّها تمتّ إلى آدم وبالتالي إلى كلّ شعوب الأرض، إذًا، لكلّ المسكونة، يهودًا وأمميّين.
الاحتفال بالميلاد
أولى علائم الاحتفال بعيد ميلاد الرّب يسوع له المجد، بدت في مصر قرابة العام 200 م. ثمّ  تحدّد أن يكون السادس من كانون الثاني، في مصر، عيدًا لميلاد الرّب يسوع وظهوره. ولكن بدا من خلال مواعظ للقدّيس غريغوريوس النيصصيّ أنّ المؤمنين في بلاد الكبّادوك كانوا يحتفلون بالعيد نفسه ولكن في 25 كانون الأوّل. أمّا في أورشليم فتجاهلت الكنيسة عيد الميلاد حتّى القرن السادس م، فيما يبدو أنّ القدّيس يوحنا الذهبيّ الفم أدخله إلى أنطاكية في حدود العام 386 م، وإلى القسطنطينيّة ما بين العامَين 398 و402 م. أمّا في روما (رومية)، فقد أخذَت الكنيسة تحتفل بميلاد السيّد منذ العام 354 م. ويغلب الظنّ أنّ ذلك مرتبط بقصد الكنيسة في إفراغ الأعياد الوثنيّة من مضمونها الوثنيّ وصرف أنظار المهتدين الجدد عن الأوثان، التي كانوا يعبدونها، إلى المسيح وكذلك تنقية الأعياد والممارسات، التي سبق لهم أن اتبّعوها، ممّا لا يتفّق والإيمان الجديد. تغيير وجهة هذه الأعياد و تحويلها أكثر واقعية. من ذلك مثلًا عيد مولد الشمس التي لا تُقهر. هذا كان يُحتفل به عند الوثنييّن يوم 25 كانون الأوّل بالذات. القدّيس كبريانوس القرطاجيّ (القرن 3م) يذكر أنّ الأحتفال بميلاد الشّمس التي لا تُقهر إنّما يجد كماله في الاحتفال بميلاد الرّب يسوع الذي هو وحده شمس البِرّ التي لا تُقهر.
لاهوت الميلاد
في الميلاد نحتفل بالتجسّد الإلهيّ، أنّ ابن الله الوحيد صار إنسانًا. عندما نقول ابن الله الوحيد نقصد مَن ورد الكلام عنه بشيء من التفصيل في دستور الإيمان حيث جاء: “أؤمن…وبرّب واحد يسوع المسيح. ابن الله الوحيد. المولود من الآب قبل كلّ الدهور. نورٍ من نور. إلهٍ حقّ من إله حقّ. مولودٍ غير مخلوق…” كلّ ما هو بشريّ فينا اشترك هو فيه. ليست هناك وضعيّة أو إمكانيّة بشريّة واحدة إلّا ولها أصول طبيعيّة، اشترك الرّب يسوع المسيح فيها. شيء واحد لم يشترك الرّب يسوع معنا فيه: الخطيئة. ابن الله المتجسّد منزَّه عن الخطيئة. اتّخذ طبيعتنا ولم يعرف خطيئتنا أي لم يختبِرها. ليست الخطيئة من طبيعة الإنسان بل من عمل إرادته. الله خلقنا أصحاب إرادة نريد أو لا نريد. نقبل أو نرفض. فكانت لنا من ذلك رفعة عظيمة لأنّ الله جعلنا نظيره، على صورته كما تقول كتُبنا. أعطانا أن نختار بين أن نكون معه وأن نكون من دونه. الاختيار هنا مرتبط بالمحبّة. لا إكراه في المحبّة. فإذا ما أحببناه اتّحدنا به، نحن فيه وهو فينا. صرنا مثله. وإذا لم نحببه، انقطعنا عنه. هذا الانقطاع عن الله نسمّيه خطيئة. مَن التصقَ بالله لم يعرف خطيئة لذا قيل: “كلّ من ولد من الله لا يُخطىء” (1 يوحنا 5: 18). ثمّ الخطيئة تُلوّث الطبيعة البشريّة، تُضعفها، تستعبدها، تذلّها، تميل بها إلى اتّجاهات ليست مطبوعة عليها في الأساس. الخطيئة الأولى كانت بآدم وحواء. كلّ إنسان، مذ ذاك، احتضن، رغمًا عنه، طبيعة بشريّة معيوبة ومعطوبة. هذا العيب الذي انطوى، في الحقيقة، على آثار الخطيئة والميل التلقائيّ إليها، ورثناه عن الذين سبقونا. وحده الرّب يسوع كان خاليًا من هذا العيب. والسبب أنّه الوحيد الذي لم يولد من زرع بشريّ . لذا، قُلنا إنّ الرّب يسوع كان من دون خطيئة. وقد وضعته أمّه من دون ألم لأنّها حبلت به من دون هوى (القدّيس غريغوريوس بالاماس ).
adoration_magiلماذا فعل الله ما فعله؟ لأنّه محبّة. والمحبّة تفترض أن يشترك الحبيب في ما لحبيبه. لهذا اتّخذ ابن الله الوحيد جسدَنا واشترك في شقائنا وعانى من خطايانا. لهذا، لمّا دخل الرّب يسوع مجمع الناصرة، في مستهلّ بشارته، قرأ من سفر إشعياء النبيّ هذه الكلمات: “روح الرّب عليّ لأنّه مسَحَني لأبشّر المساكين. أرسَلني لأشفي المنكسري القلوب لأنادي للمأسورين بالاطلاق وللعمي بالبصر وأُرسل المنسحقين في الحريّة وأكرز بسنة الرّب المقبولة” (لوقا 4 :18 -19). والرّب يسوع مات لأجل الجميع “كي يعيش الأحياء فيما بعد لا لأنفسهم بل للذي مات لأجلهم وقام” (2 كورنثوس 5 :15). وإذا كان الرّب قد اتّخذ ما لنا فقد أعطانا أيضًا ما له، أعطانا روحَه، أعطانا جسَده، هو لنا بمثابة آدم الجديد. كلّ ما حقّقه الرّب يسوع في جسده: الغلبة على الموت، الغلبة على الخطيئة، الغلبة على الشريّر … كلّ هذا مدّه إلينا، بات لنا إذا ما نحن آمنّا به واعتمدنا باسمه، إذا ما أضحى هو حياتنا ورجاءنا. إذا ما أسلمنا أنفسنا إليه بالمحبّة، إذا ما عشنا من أجله. هذا هو مضمون الإيمان الحيّ الخلاصيّ بالمسيح. والخلاص هو في اقتناء روح الرّب، أن تكون حياته فينا. أن تكون محبّته فينا، أن نعاينه كما هو. “أيّها الأحبّاء الآن نحن أولاد الله ولم يظهر بعد ماذا سنكون. ولكن نعلم أنّه إذا أظهر نكون مثله لأنّنا سنراه كما هو” (1 يوحنا 3 :2). الخليقة الجديدة، الخليقة بآدم الجديد، أعظم من الخليقة العتيقة بآدم الأوّل. وفي تدبير الله أنّ الخليقة الأولى كانت من أجل الثانية. “نحن ذرّية الله” (أعمال 17 : 29). “شركاء الطبيعة الإلهية” (2 بطرس 1 :4). القول المزموريّ: “أنا قلت إنّكم آلهة وأبناء العليّ أجمعون (مزمور 81 :6) حسِبه الأقدمون مجازيًّا. أمّا وقد تجسّد ابن الله الوحيد وأعطانا أن نصير، بالإيمان به، أبناء للعليّ (يوحنا 1 :12 -13 ).

طروباريّة عيد الميلاد
ميلادك أيّها المسيح إلهنا قد أطلع نور المعرفة في العالم، لأنّ الساجدين للكواكب، به تعلّموا من الكوكب السجود لك يا شمس العدل، وأنّ يعرفوا أنّك من مشارق العلو أتيت، يا ربّ المجد لك

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share