هو باب الشهداء وطريق القدّيسين وزعيم الاستشهاد الذي قدّس بجهاداته أقطار العالم، كما تقول عنه خدمتنا اللّيتورجيّة اليوم. اسمه معناه “تاج” أو “إكليل من الزهور”. لذلك تقول عنه أنشودة أنّه قدّم لسيّد الكلّ، المولود على الأرض، إكليلًا فائق البهاء، ليس مصنوعًا من حجارة كريمة بل مزهرًا من دمائه نفسها. وتقول عنه أنشودة أخرى أنّ الحجارة التي رُجم بها حصلت له درجات ومراق إلى الصعود السماويّ.
في تلك الأيّام التي تلت نزول الرّوح القدس على التلاميذ، ازداد عدد المؤمنين وازدادت أعباء الرّسل الاثني عشر لجهة توزيع حاجات الجسد على الجماعة. فلقد أخذ المؤمنون الأوائل يبيعون أملاكهم ويتقاسمون الثمن على قدر احتياج كلّ منهم بعدما أخذوا على عاتقهم أن يكون كلّ شيء بينهم مشتركًا (أعمال 2). وكان الرّسل يُشرفون على هذا العمل. كلّ هذا دعاهم إلى تنظيم الخدمة على نحو أوفق، فاختارت الجماعة سبعة رجال مشهودًا لهم بالإيمان والتقوى، ممتلئين من الرّوح القدس، ولهم من الحكمة والدراية ما يسمح لهم بالقيام بعمل التوزيع اليوميّ على أفضل وجه ممكن. وهؤلاء هم استفانوس وفيليبس وبروخوس ونيكلنور وتيمون وبرميناس ونيقولاوس الدخيل الأنطاكيّ. وقد صلّى الرّسل ووضعوا على المنتخَبين الأيادي.
أمّا استفانوس فكان المتقدّم في الشمامسة، كما لاحظ الذهبيّ الفم، وكان رجلًا مملوءًا من الإيمان والرّوح القدس والقوّة، يصنع عجائب وآيات عظيمة في الشعب. وقد أثارت مواهبه حفيظة اليهود، فاجتمع عليه عدد منهم، من اللّيبرتينيين، أي من اليهود المعتقين، ومن القيروانيّين الليبيّين ومن الاسكندريّين ومن الذين من كيليكيا وآسيا الصغرى يحاورنوه ويجادلونه فلم يتمكّنوا منه فاشتدّوا غيظًا ولجاؤا إلى الدّس والافتراء لينالوا منه. وإذ اتّهموه بأنّه تفوّه بكلام تجديف على موسى وعلى الله هيّجوا الشعب، حرّكوا الشيوخ والكتبة فقبضوا عليه وأوقفوه أمام مجمَع السّبعين وهو المجمَع عينه الذي حكَم على الرّب يسوع بالموت. وكما أقام اليهود شهود زور على المعلّم أقاموا على التلميذ، فانبرى منهم من اتّهمه بأنّه يتكلّم ضدّ الموضع المقدّس والناموس ويدعو إلى تغيير عوائد موسى.
وفي ردّ استفانوس على اتّهامات الحاقدين المفترين كان ممتلئًا من نور الرّب حتّى إنّ وجهه بدا كوجه ملاك. وقد بيّن لهم كيف أنّ ابراهيم، أب المؤمنين، تبرّر لدى الله وحظِي بنعم عظيمة من دون الهيكل ومن دون أن يكون له ميراث أرض ولا وطأة قدم. كذلك كان الرّب الإله مع يوسف وأنقذَه من جميع ضيقاته فيما حسَده رؤساء الآباء وباعوه إلى مصر. ثمّ كان موسى الذي قال لبني إسرائيل نبيًّا مثلي سيقيم لكم الرّب إلهكم من إخوتكم، له تسمعون. هذا أنكَره الآباء قائلين له من أقامك رئيسًا وقاضيًا علينا، فيما جعله الله رئيسًا وفاديًا فأخرج إسرائيل من مصر بآيات وعجائب. وعاند الآباء. فلم يشاؤوا أن يكونوا طائعين له بل دفعوه ورجعوا بقلوبهم إلى مصر. فجعلوا لهم بهرون آلهة يعبدونها من دون الله وظنّوا بموسى الظنون، فعاد الله وأسلمهم إلى نجاسة قلوبهم. ومع أنّ الله لا يسكن في هياكل مصنوعات الأيدي لأنّ السماء كرسيّ له والأرض موطىء لقدميه فإنّ سليمان بنى له بيتًا. لكنّ إقامة الله وسط شعبه تتخطّى البيت. هذا وغيره دلّ دائمًا على مقاومة اليهود، آباء وبَنين، للرّوح القدس. لذلك لا يتردّد استفانوس في المجاهرة بإيمانه بالمسيح البارّ والحكم على اليهود بقساوة الرّقبة ونجاسة القلب والأذن مثلهم مثل آبائهم.
هذا القدر من الكلام الناريّ كان كافيًا ليشعل في اليهود غيظًا شديدًا فصرّوا بأسنانهم عليه وسَدّوا آذانهم. وإذ شخَصَ إلى السماء رأى مجد الله ويسوع قائمًا عن يمين الله فشهد قائلًا: “ها أنذا أنظر السموات مفتوحة وابن الانسان قائمًا عن يمين الله”. هذا كان عندهم قمّة التجديف وعنده قمّة الحقّ وملء الرّوح القدس. وقبل أن يلفظ المجمع حكمًا عليه، أدانه الحاضرون وهجموا عليه وأخرجوه خارجًا ورجَموه مع أنّه لا حقّ لهم ولا لمجمعهم أن يقتلوا أحد (يوحنا 18 :31). والذين شهدوا أنه جدّف خلعوا ثيابهم عند رجلي شاول. الذي تسمى بولس فيما بعد، ليحفظها، ثمّ كانت أيديهم عليه أوّلًا ليقتلوه. وإذ انهالت عليه الحجارة كالسّيل سأل من أجل نفسه “أيّها الرّب يسوع إقبَل روحي”. وسأل من أجل قاتليه “يا ربّ لا تقم لهم هذه الخطيئة”. ولمّا قال استفانوس هذا أسلَم الروح.
كان رقاد استفانوس، على ما ورد في مصادر قديمة، في أواخر السنة نفسها التي صُلب فيها الرّب يسوع. وثمّة من يذكر أنّ ذلك حدث في السادس والعشرين من كانون الأوّل من تلك السنة. ويظهر أنّه دُفن في مكان يبعد عشرين ميلًا عن أورشليم يُدعى كفراغمالا. وقد حُفر على قبره اسم خليال الذي يعني إكليل أي استفانوس. المعلومات في هذا الشأن أوردها باسيليوس سلفيكا (+ 459م) في عظة عن القدّيس استفانوس. وكذلك كاهن اسمه لوقيانوس، كتب وقائع اكتشاف رفات القدّيس في القرن الخامس الميلادي. المعلومات التاريخية تفيد أنّ ذراعه اليمنى كانت في القسطنطينية في القرن الثاني عشر. وأنّ خمسة أديرة اليوم تدّعي أن عندها أقسامًا من جمجمته بينها أديرة الضابط الكلّ وسترونيكيتا واللافرا الكبيرة وكزينوفونتوس في جبل آثوس. وهناك قسم من رفاته في جنوى الإيطالية. من جهة أخرى ورد عند بعض آباء الكنيسة أنّ شاول الذي كان راضيًا بقتل استفانوس وحارسًا لألبسة الشهود عليه قد اهتدى وآمن بالرّب يسوع بقوّة الصلاة التي رفعها الشهيد من أجل قاتليه. أحدهم قال: ” لو لم يرفع استفانوس الصلاة، ما كانت الكنيسة حظيت ببولس”.
طروبارية عيد الميلاد
ميلادك أيّها المسيح إلهنا قد أطلع نور المعرفة في العالم لأنّ الساجدين للكواكب به تعلّموا من الكوكب السجود لك يا شمس العدل وأنّ يعرفوا أنّك من مشارق العلو أتيت يا ربّ المجد لك.
طروبارية القدّيس استفانوس
إنّ هامتك تكلّلت بإكليل ملوكيّ بواسطة الجهادات التي احتملتها من أجل المسيح الإله يا أوّل المجاهدين في الشهداء لأنّك وبخّت حماقة اليهود فأبصرتَ مخلّصك عن يمين الآب فإليه ابتهل على الدوام من أجل نفوسنا.