مقتطفات من عظة عن الصّلاة الحارّة للقدّيس يوحنّا الذّهبيّ الفم
“حينئذٍ أجاب يسوعُ وقال لها: يا امرأةُ عظيمٌ إيمانُكِ فليكن لكِ كما أَردتِ”. قد نكون نحن المسبِّبينَ لهلاكِنا، لأننا لا نصلّي بحرارة، ولا نَبتهِل إلى الربِّ كما يجب. فإنْ تَقدَّمْنا إليهِ نتقدّم غير مؤمنين بالحصول على ما نسأله. ربّما تقول إنّني أُصلّي لكن بلا نجاح. إنَّ صَلاتَكَ لا تُشبِه إلحاحَ المرأةِ الكنعانيّة وملازمتَها ولا مجيءَ الصَّدِيق في غيرِ أوانِهِ ولا إصرار الأرملة على الحاكم. فلو صَلّيتَ مثل هؤلاء لحَصلتَ على ما تَطلُب، لأنّ اللهَ أبٌ يُحِبُّ أبناءَهُ محبّةً شديدة. إنَّ اللهَ لا يفتّش عن الإهانة ليُعاقِبَ عليها، بل عن رجوعِكَ إليهِ تائبًا.
ليت حرارةَ محبّتِنا كحرارةِ رأفاتِ الله ومحبّته لنا. إنّها نارٌ كامنة، تنتظر منّا الشّرارة لتَضطرم. فنحن مع كونِنا أشرارًا، ونحبّ محبّةً طبيعيّةً، نتألّم من أجل أبنائِنا ونغضّ الطرْفَ عن سيّئاتِهِم، فكم بالحريّ تكون آلامُ الذي يُحِبُّ البشرَ محبّةً خارقة الطّبيعة؟ إنّه لَم يتألّم لأجل إهانتِه بل لأجل وقاحتِنا. فالسيّد يقول: “هل تنسى المرأةُ رضيعَها فلا تَرحَم ثَمرَ بطنِها؟ لكِن ولو أنّها نَسِيتْ، فأنا لا أنساكِ” (إشعيا 49 : 15). وعليه فلنبتهِلْ إلى الإلهِ العلِيِّ صارخِين: “والكلابُ تأكل من الفُتات الذي يَسقط من موائد أربابها”. لنتقرَّبْ من الله دائمًا، وليس في مناسباتٍ خاصّة وحسب. وقد شهِدَ نبيُّ الله بأنّ الربَّ مستعدٌّ أن يُحسِنَ إلينا دائمًا بقوله: “طلوعُهُ ثابتٌ كالفَجر، فسيأتي إلينا كالمطر، كمطر الرّبيع الّذي يَروي الأرض” (هوشع 6 : 3). فمهمَا أكثَرْنا التردّد على الله بالسؤال نَجِدُهُ بانتظارِنا، فاذا كنّا لا نستفيد من ينبوعِ رحمتِهِ الذي لا ينفد، فما الذّنب إلاّ ذنبنا. فلو راجَعْنا أفكارَنا قليلاً لعَرَفنا خطايانا. ومتَى اعترفنا بالخطيئة يَسكب اللهُ علينا رحمتَهُ الغنيّة العظمى. ولذلك يقول رسول المسيح: “إذْ للجميع ربٌّ واحدٌ غنيٌّ لكلِّ مَن يدعوه” (رومية 10 : 12)
لقد افتقرَ حتّى يُعطِيَنا مِن غِناهُ. قد تحمَّل كلَّ شيء حتّى يُشجّعنا على الصّلاة. فلا يجوز لنا أن نيأس ولو خَطِئنا يوميًّا، فلنبتهِلْ إليه ونُصَلِّ بحرارةٍ لأجل خطايانا. بهذا نبتعد عن الخطيئة ونَطرحُ روحَ الشرِّ عنّا، ونَجتَذِبُ رحمةَ الله إلينا، ونحصلُ على الخيرات التي لا توصف بنعمةِ ربِّنا يسوع المسيح ومحبّته للبشر الذي له المَجدُ والمُلْك إلى دهر الداهرين، آمين.