عيد تجلّي ربّنا وإلهنا ومخلّصنا يسوع المسيح

mjoa Sunday August 6, 2023 391

transfiguration

بعد أن أنبأ يسوع أوّل مرّة بآلامه وموته وقيامته علّم تلاميذه عمّا يطلب منهم: “من أراد أن يتبعني فلينكر نفسه ويتبعني”. بعد هذا بستّة أيّام كما ورد عند متى ومرقس تجلّى أمامهم. أمّا لوقا فيقول أنّ هذا حدث له “بعد هذا الكلام بنحو ثمانية أيّام”. لماذا هذا الفرق؟ هنا لا بدّ أن نعرف أنّ رقم 8 رقم رمزيّ لا رقم تاريخيّ، ويدلّ على الحياة الأبدية، رقم لاهوتيّ أراد به لوقا أن يوحي أنّ حادثة التجلّي كشفٌ مسبَق، مؤقّت لقيامة السيد التي تدشّن حياتنا في الملكوت.
لوقا ينفرد عمّن قبله من الإنجيليّين ليقول أنّ السيّد صعد إلى الجبل ليصلّي. وبينما هو يصلّي “تبدّل منظر وجهه”. الصلاة التي جعلت الرّب يتّصل بالآب، كانت السّبب لتبدّل منظر وجه المسيح. التحوّل المحسوس كان في جسده وكان في ثيابه التي “تلألأت ناصعة البياض”. تلألأت كالنّور يقول متّى أو كالبرق، يقول مرقس. الإنجيليّون الثلاثة يؤكّدون أنّ إيليا وموسى ظهرا له يكلّمانه. ينفرد لوقا بقوله أنّهما تراءيا في المجد فإنّهما قد عادا الى الله بطريقة غامضة. فعَن موسى قال الكتاب أنّ الله دفَنه “ولم يعرف أحد قبره إلى يومنا هذا” ( تثنية الإشتراع 34: 6 ). وفي الفكر اليهوديّ اللّاحق أنّه أُصعد إلى السماء. وعن إيليّا أنّه “صعد في العاصفة نحو السماء” (2 ملوك ‌ك 2: 11 ).  تراءيا ليسوع في وضع سماويّ كانا قد صارا إليه. وحده لوقا يحدّثنا عن مضمون الحديث الذي جرى بين الثلاثة: “أخذا يتكلّمان عن خروجه من أورشليم” أي آلامه. يسوع وحده كان المجد معه كاملاً منذ الآن قبل قيامته فلمّا نظر إليه التلاميذ عاينوا مجده. وعند ظهوره في هذا النور للنبيَّين “ظهر غمام ظلّلهم ودخلوا في الغمام”. السّحابة هذه كانت ترافق العبرانيّين عند خروجهم من مصر وكانت رمزًا للحضرة الالهية التي كانت تسير مع هذا الشعب في صحراء سينا حسبما ورد في سفر الخروج: “لم يستطع موسى أن يدخل خيمة  الموعد ( أو مضرب الشهادة ) لأنّ الغمام كان حالًّا عليه ومجد الرّب قد ملأ المسكن. غير أنّ موسى رأى المجد ظاهرًا على جبل ثابور في شخص المسيح ودخل موسى في المجد حقيقةً للمرّة الأولى. “ورأينا مجده مجد وحيدِ الآب” ( يوحنا 1: 14 ).
نلاحظ أنّ حديث موسى وإيليا مع السيّد عن آلامه يرافق ظهور المجد على جسد يسوع وكأنّ المعنى المقصود أنّ آلام الرب كانت طريقه إلى المجد. عندنا على الجبل حادثةُ نورٍ يسطع، وخلال انكشاف النور يدور الحديث عن موت المعلّم. هذا الموت إذاً كان طريق يسوع إلى القيامة. آلام السيّد تقوده إلى مجده والمجد المكشوف على جبل التجلّي هو إيّاه الذي سيصير المسيح إليه إذا مات. التجلّي بطريقته ينبىء عن تلازم الصليب والقيامة. فإذا سطع النور في المسيح البازغ من القبر يذهب إليه أهل العهد القديم ويتقدّسون به ويجدون فيه ملء مقاصدهم. أنت لا تفهمهم إلّا من خلال المسيح الظافر.
هناك أمور لا بدّ من ملاحظتها:
أوّلًا- لم يأت ِيوحنا على ذكر هذه الحادثة. لماذا؟ لأنّ كلّ إنجيله حديثٌ عن لاهوت المسيح. كلّه تجليات وكأنّك تلتقط أنت التجلّي خلال كلّ الإنجيل الرّابع.
ثانيًا – لماذا يصطحب السيّد بطرس ويوحنّا ويعقوب؟ يبدو أنّهم كانوا المقرَّبين. ثنائيّة بطرس والتلميذ الحبيب واضحة في إنجيل يوحنّا. فإليهما تذهب المجدليّة بعد أن رأت الحجر قد أُزيل عن القبر. ووحدهما يدخلان القبر وفي ذكرهما معًا ينتهي الإنجيل الرّابع. إنّه يصطحب الثلاثة إلى بستان الزيتون إذ أراد قبل أن يعاينوا آلامه المعنويّة هناك أن يروا في ثابور المجد الذي كان متجلبِبًا به. وكان الرّب اصطحبهم إلى دار رئيس المجمع الذي أحيا ابنته ( مرقس 5: 37). أرادهم شهودًا لأعماله.
ثالثًا – لماذا أظهر الله موسى وإيليا؟ لا يكفي أن نقول أنّ الأوّل يمثّل الشريعة بامتياز وأنّ الثاني مثل النبؤة. الإطار إطار مجد المسيح. والنبيّان عاينا قديمًا لا المجد بل صورة عن المجد، التمَسه كلاهما على جبل سيناء. فهناك كان الرّب يكلّم موسى وجهًا لوجه ” كما نتلو في القراءة الثانية في عيد التجلّي عند صلاة الغروب”. هناك قال موسى للرّب:” أرني مجدك، قال أنا أجتاز قدّامك بوجهي… أمّا وجهي فلا تستطيع أن تراه لأنّه لا يرى إنسان وجهي ويعيش”. ثمّ يقول الكتاب:” هبَط الرب في الغمام”، في رمز  إذ لم تكن هناك رؤية. رؤية موسى للرّب حصلت في ثابور. أُرجئت رؤية موسى للرّب من كشف سيناء إلى كشف ثابور. يسوع تاليًا هو الإله الذي اشتهى موسى أن يراه. كذلك إيليّا. يقول له الرّب:” قِف على الجبل أمام الرب” ( القراءة الثالثة في غروب العيد) فإذا الرّب عبَر وريح عظيمة وشديدة تصدع الجبال… ولم يكْن الرّب في الريح. وبعد الرّيح زلزلة ولم يكن الرب في الزلزلة. وبعد الزلزلة نار ولم يكن الرب في النار. وبعد النار صوت نسيم لطيف. وهناك كان الرّب”. أي أنّ النسيم اللطيف دلّ عليه. هذا حضور رمزيّ. في ثابور، للمرّة الأولى، إيليا يشاهد الرب.
عندما شاهد هذان والتلاميذ الرّب ماذا شاهدوا؟ ما هذا الذي حدث ليسوع؟ الأناجيل توضح أنّ هذا النور لم يكن نورًا حسّيًا. هنا يقول آباؤنا وعلى رأسهم القدّيس غريغوريوس التسالونيكي (بالاماس) أنّ هذا هو ضياء الطبيعة الإلهية. هذا هو النور غير المخلوق الذي كان كامنًا في السيّد وأخفاه في ناسوته عند التجسد لمّا اتّخذ صورة عبد. إذ لمّا أراد الابن أن يعايش البشر كان لا بدّ له أن يظهر مثلهم إنسانًا متواضعًا لا مجد فيه. ولكنّ التجسد ما ألغى المجد الكامن في يسوع. كشفَه لحظات كما كان فيه. لم يصطنع السيد نورًا جديدًا. لم يتحوّل غير أنّه مكّن التلاميذ والنبيَّين أن يبصروا. كان هذا تجلّيًا بالنسبة إليهم. في الآلام انكشفت قوّة مجده وهو يقيم في المجد السّاطع من بعد القيامة وإن أخفاه أيضًا بعد القيامة ليتمكّن من الحديث إلى التلاميذ.
عيد السادس من آب شبه فصح قبل الموت. في الفولكلور الدينيّ الذي لا ينبغي أن نحتقره لأنّه يدلّ على إحساس الشعب، نرى المؤمنين يستعملون النار والنور أسهُمًا وشموعًا في عيد القديس النبيّ إيليا وفي التجلّي وعيد ارتفاع الصليب. ذلك أنّ هذه الأعياد واحدة في عمقها. فإيليّا عظُمت أهميّته من ظهوره على ثابور. والصليب طريقُنا إلى المجد والغلبة. الشعب نقَل إلى الفولكلور القناعات المجسّمة في الطقوس الالهية. 

طروبارية عيد تجلّي ربنا يسوع المسيح
لمّا تجلّيتَ أيّها المسيح الإله على الجبل، أظهرتَ مجدَكَ للتلاميذ حسبما استطاعوا، فأَطلع لنا، نحن الخطأة، نورَكَ الأزليّ. بشفاعات والدة الإله، يا مانحَ النور، المجدُ لك.

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share