عاشت القدّيسة أنسطاسيا (القرن الثالث) في مدينة رومية، أيّام الإمبراطورَين داكيوس وفاليريلنوس. وقد توفّرت لها كلّ أسباب العيشة الرّغدة، فتوّة وغنى وجمالًا، لكنّها علِقت بشباك السيّد واكتشفت اللّؤلؤة الأثمن من سائر اللّآلىء. فكان أن أنفَقت قِسمًا من أموالها على المسيحيّين المسجونيين لأجل إيمانهم ووزّعت الباقي على الفقراء، ثمّ اعتزلت، هي وبعض العذارى، وأقمنَ في بيت صغير في طرف المدينة. وقد كانت القيّمة عليهنّّ امرأة مقتدرة اسمها صوفيا. هذه أنشأت العذارى على الشهادة اليوميّة للمسيحيّة، نُسكًا وجهادًا ومحاربة للأهواء. ولمّا شاع ذكر نسطاس (أنسطاسية) بين المسيحيّين والوثنيّين معًا، بين هؤلاء لجمال طلعتها، وبين أولئك لفضيلتها، حرّك الشيطان بعض النفوس الصغيرة فأسرّوا إلى الوالي بروبس خبَرها. فأرسَل جنده وأتوا بها. وقَفت نسطاس (أنسطاسية) أمام الوالي، صبيّة في العشرين من عمرها، بهيّة الطلعة، هادئة النّفس، ساكنة المحيّا، فأُخذ بها. وإذ سألها ما إذا كانت حقًّا تتنكّر لآلهة الإمبراطوريّة وتأبى أن تقدّم لها فروض الإكرام، أجابت بالإيجاب بثقة وبلا تردّد. فحاول الوالي استغلال الأمر لصالحه فلم يلقَ غير الخيبة. هدّدها فألفاها صامدة لا تلين. قام يتملّقها فلم تدَع كلماته تنفذ إلى قلبها، ولا استجابت لمواعده. فأسلَمها، إذ ذاك، للمعذّبين فلم تُبدِ أيّة علامة من علامات الخوف، هي التي اعتادت على الشهادة اليوميّة للمسيح من خلال النسك والجهاد ومحاربة أهواء النفس والجسد. وأمعَن الجلاّدون في تعذيبها إلى أن قطعوا هامَتها بحدّ السيف ففازت بإكليل الشهادة. جاءت معلّمتها، صوفيا، وأخذت رفاتها. وقد بقيت هذه الرّفات على مدى العصور مصدرًا للبركة والتّعزية. وهي محفوظة في معظمها، إلى اليوم، في دير القديس جاورجيوس في جبل آثوس. ويرتبط باسم أنسطاسيّا اسمٌ آخر هو كيرلّلس. كان شابّاً مسيحيّاً حضر تعذيبات أنسطاسيّا. فلمّا كانت الشهيدة غائصة في آلامها طلبَت ماء فأسرع وسقاها، فكان نصيبه أن أضحى شريكًا في الشهادة إذ قطع الجند هامته هو أيضًا.
طروبارية القدّيسة أنسطاسيا
لقد تلألأتِ بالنُّسك كعذراء شريفة ودبّجت حلّة النقاء بدماء الجهاد إلهيًّا. لذلك يا أنسطاسيا بما أنك بارّة وشهيدة لمَعتِ في العالم بنعمة الشفاء، فأنت تتشفّعين إلى المخلّص من أجل نفوسنا.