تذكار أبينا الجليل في القدّيسين نيقولاوس رئيس أساقفة ميرا في ليكيا العجائبيّ (+ القرن الرابع الميلاديّ)

mjoa Wednesday December 6, 2023 351

nicolasشاع عن القدّيس نيقولاوس أنّه وُلد في باتارا من أعمال ليسيّة الواقعة في القسم الجنوبي الغربيّ من آسيا الصغرى، وأنّ ولادته كانت في النصف الثاني من القرن الثالث للميلاد. ارتبط اسمه باسم ميرا القريبة من باتارا، على بعد ثلاثة أميال منها. وقد ذكر أنّه تسقّف عليها، ميرا، في آسيا الصغرى أو كما تُعرف اليوم بَرّ الأناضول، هي “دمري” الحاليّة. هناك يبدو أنّ ذكر القدّيس لم تمحِه السنون بدليل أنّ المسلمين جعلوا له عند الكنيسة التي قيل أنّ القدّيس كان يقيم الذبيحة الإلهية فيها، أقول جعلوا له تمثالًا لِما أسموه “NOEL BABA”. يُذكر أنّه كانت لميرا، في وقت من الأوقات، ستّ وثلاثون أسقفيّة تابعة لها.
إلى ذلك قيل أنّ القدّيس نيقولاوس عانى الاضطهاد في أيّام الإمبراطورَين الرومانيَّين ذيوكليسيانوس ومكسيميانوس وأنّه اشترك في المجمع المسكونيّ في نيقية سنة 325 م.
هذا ويبدو أنّ قدّيسَنا رقد في ميرا حوالي منتصف القرن الرابع الميلاديّ واستراحت رفاتُه في الكنيسة الأسقفيّة هناك إلى أن دهَم الموضع قراصنة من باري الإيطالية عام 1087 م فسرقوه وسط احتجاج رهبان كانوا يقومون بخدمة المحجّة، وعادوا به إلى بلادهم حيث ما يزال إلى اليوم. وقد ذكرت مصادر عريقة أنّه في كلا الموضعين، ميرا وباري، كان سائل طيب الرائحة يفيض من رفاته.
نشير إلى أنّ بعض المصادر يخلط ما بين القدّيس نيقولاوس أسقف ميرا ونيقولاوس آخر يبدو أنه تسقّف في القرن السادس أو ربّما السابع على بينارا من مقاطعة ليسيّة عينها. هذا الأخير كان رئيسًا لدير صهيون المقدّسة ثمّ صار أسقفًا على بينارا ودُفن في ديره على مقربة من ميرا.
من الواضح، في ما يروى عن القدّيس نيقولاوس، أنّ أخباره عجائبية في أكثر تفاصيلها. حتّى الأخبار التي يمكن أن تكون عادية عنه سكَبَتها الأجيال المتعاقبة بقالب عجائبي تأكيدًا لطابع سيرته العجائبيّ. فلقد جاء عنه أنّه كان يصوم عن الرّضاعة في طفوليّته يومَي الأربعاء والجمعة إلّا مرة واحدة بعد غروب الشمس. وأنّ عمًّا له، اسمه نيقولاوس أيضًا، كان أسقفًا على باتارا، لمّا سامَه كاهنًا تنبّأ بالرّوح أنّ القدّيس سيصبح أسقفًا يومًا ما وسيكون تعزية وخلاصًا لكثيرين ولمّا اختير أسقفًا على ميرا كان ذلك بتوجيه من ملاك.
وقد كتب عنه مثوديوس القسطنطينيّ أنّه عاين في رؤية مرّة، الرّب، يسوع المسيح مجلّلًا بالمَجد، واقفًا به وهو يسلّمه الإنجيل الشريف ووالدة الإله، من الجهة المقابلة، تضع الصاكوس على كتفيه. بعد ذلك بفترة قصيرة رقد يوحنّا، أسقف ميرا، واختير نيقولاوس خلفًا له.
إلى ذلك هناك عدد من الأحداث المرويّة عن القدّيس نيقولاوس تبيّنه رؤوفًا محبًّا للإحسان والعدالة. بعض هذه الأحداث جرت له في حياته وبعضها بعد موته. مرّتان أنقذ سفينة أشرفت على الغرق وكان مسافرًا فيها. مرّة استجار به البحّارة وهم في عرض البحر وهو في كنيسته فأتى إليهم وأجارهم. مرّة أوحى في الصلاة إلى سفينة محمّلة بالقمح كانت في عرض البحر فاتّجهت صوب مقاطعة ليسيّة التي كانت قد حلّت بها مجاعة عظيمة. مرّتان أنقذ غريقًا من الهلاك. مرّة أقام ثلاثة أولاد من الموت. ومرّة أنقذ ثلاثة مظلومين قبل لحظات من تنفيذ حكم الإعدام بهم. على أنّ هناك ثلاثة أخبار عنه هي أكثر أخباره شيوعًا بين العامة. دونك إيّاها مفصّلة.
اندلعت في أيّام قسطنطين الملك ثورة في فريجيا الكبرى قامت بها جماعة تعرف بـ”الترافيليون”. ولمّا تناهى الخبر إلى السلطة المركزيّة في القسطنطينيّة، بادر الملك إلى إرسال ثلاثة من القادة العسكريين لديه على رأس جيش كبير لمعالجة الوضع. فتوجّه العسكر إلى فريجيا. وبعدما تمكّنوا من وضع حدّ للاضطرابات الحاصلة، عادوا إلى المدينة المتملّكة مظفَّرين، فأحسَنَ قسطنطين وفادتهم وأكرمَهم. ولكن تحرّك الحسد في نفوس بعض الحاقدين فشيّعوا لدى أفلافيون الوزير أنّ القادة الثلاثة لم يخمدوا ثورة “الترافيليون” بل عقدوا وإيّاهم اتّفاقًا سرّيًا للإطاحة بالملك. ودعَم الحاسدون دعواهم بشهود زور وتقديم هدايا ثمينة للوزير. كان الاقتراح أن يسعى الوزير إلى عرض الأمر على الملك لإثارة مخاوفه ومن ثمّ انتزاع موافقته على إعدام الثلاثة في أسرع وقت ممكن. فقبَضَ الوزير على القادة المعنيّين وزجّهم في السّجن ثمّ بادر إلى الملك وهوّله بأخبار المكيدة التي يحيكها الثلاثة ضدّه، ثمّ سأله أن يصدر أمرًا بإعدامهم للحال وأدًا للفتنة. فارتاع الملك ووافق على إنزال عقوبة الإعدام بالثلاثة في اليوم التالي. في تلك الليلة قبع الثلاثة في سجنهم ينوحون ويبكون، وهم يضربون أخماسًا بأسداس. لم تكن أمامهم حيلة يردّون بها عن أنفسهم هذا الخطر المداهم. وحدها الصّلاة بقيت نصيبًا لهم فصلّوا وسألوا القدّيس نيقولاوس أن يعينهم: “يا إله أبينا نيقولاوس نجّنا. . .”. فظهر القدّيس في الحلم لكِلا الرّجلَين، الملك ووزيره، قبل شروق الشمس، وطلب إليهما بتهديد أن يبادرا للحال إلى إطلاق سراح القادة الثلاثة لأنّهم مظلومون. ولمّا كان الصباح أرسَل الملك في طلب الوزير. وبعد الأخذ والرّد أدرَكَ الاثنان أنّهما عاينا حلمًا واحدًا في شأن المحكومين فتوجّسا خفية. على الأثر أمر الملك بإحضار الثلاثة إليه. فلمّا حضروا دافعوا عن أنفسهم فتبيّن أنّهم أبرياء فأُطلق سراحهم.
وكان هناك شخص غنيّ عنده ثلاث بنات جميلات. فقسى عليه الدهر فافتقر. ولمّا عضّه العوز وأبت عليه كرامته أن يمدّ يده ويطلب لنفسه وبناته حسنة، عرض عليه إبليس أن يدفع بناته إلى تعاطي تجارة الزّنى، فقاوم التجربة إلى أن قويَت عليه. ولكن قبل أن يبادر إلى تنفيذ ما علِق في نفسه، عرف القدّيس نيقولاوس بأمره فأتاه تحت جنح الظلام وألقى إليه من الطاقة بكيس من النقود وذهب. وفي الصباح اكتشف الرّجل النقود ففرح بها فرحًا عظيمًا، وتساءل مَن فعل ذلك. وإذ شغلته الفرحة والنقود اكتفى بشكرالله، وقام فجهّز ابنته الكبرى وزوّجها. وعندما رأى القدّيس أنّ الرجل استعمل النقود للخير عاد وأتاه من جديد ورمى إليه بنفس الطريقة، في اللّيل، مبلغًا من المال وذهب. واستفاق الرجل على كيس آخر من النقود فتعجّب وتساءل ثمّ اكتفى بشكرالله وجهّز ابنته الثانية كما فعل بالأولى وزفّها إلى أحد الشبّان الطيبّين. أخيرًا جاء إليه القدّيس ثالثة وأعاد الكرّة من جديد، لكنّ الرجل تنبّه، هذه المرة، للأمر فأسرع وفتح الباب وركض في إثر صانع الخير إلى أن أدركه. فلمّا رأى القدّيس نيقولاوس أنّ سرّه استبان ركع عند قدمَي الرّجل ورجاه ألّا يعلم به أحد. وبعد أخذ وردّ، عاد القدّيس من حيث أتى، وعاد الغنيّ المفتقر إلى بيته يسبّح ويمجّد. ثمّ ذهب فأدّى لابنته الصغرى ما أدّاه لأختَيها من قبلها.
يُحكى عن رجل اسمه يوحنا عاش في القرن التاسع الميلاديّ في القسطنطينيّة، تقيّ ورِع يحبّ الله ويكرم قدّيسه نيقولاوس، أنّه سافر مرّة في البحر لعمل. وبعد ساعات معدودة من مغادرته اهتاج البحر وضربت عاصفة السفينة التي كان مسافرًا فيها. فأسرع البحّارة إلى ربط الأشرعة، وكان الوقت ليلًا. في تلك الساعة خرج الرّجل إلى ظهر السفينة لقضاء حاجة. وما أن خطا خطوات قليلة إلى الأمام حتّى اضطربت السفينة يمينًا ويسارًا فاختلّ توازن الرّجل وسقط في البحر على مرأى من البحّارة وصراخهم وغار الرجل في المياه وبكى البحّارة لفقده. ولكن لم تكن هذه نهاية القصّة. فما أن بدأ الرّجل بالغرق حتّى صرخ في قلبه على غير وعي منه: “يا قدّيس الله نيقولاوس أعنّي!” وما أن فعل حتّى وجد نفسه في غير مكان. وجَد نفسه في بيته والماء يسيل من ثيابه. ولمّا استمرّ في الصلاة صارخًا، نهض أهل بيته من نومهم مذعورين فوجدوه على هذه الحالة فاندهشوا وتحيّروا وخانتهم لغة الكلام إلى أن استردّوا وعيَهم وسألوه لماذا هو بهذه الحالة وكيف عاد إلى بيته. وسادَت في المكان جلبة ليست بقليلة ما أن هدأت حتّى فهِم الجميع من الرّجل أنه سقط غريقًا في البحر وأنّ القدّيس نيقولاوس هوالذي أدركه وأعاده إلى بيته سالمًا معافى. فتُحدّث بهذا العجب في كلّ القسطنطينية وشكر الجميع الله وازدادوا إكرامًا لقدّيسه نيقولاوس وتعلّقًا به واعتمادًا عليه. أمّا يوحنّا فقيل إنّه والد بطريرك القسطنطينية مثوديوس الأوّل الذي اعتلى سدّة البطريركية بين العامين 843 و847 م.

طروبارية القدّيس نيقولاوس
لقد أظهرتك أفعال الحق لرعيّتك قانونًا للايمان وصورة للوداعة ومعلّمًا للإمساك أيها الأب رئيس الكهنة  نيقولاوس فلذلك أحرزتَ بالتواضع الرِّفعة وبالمسكنة الغنى فتشفّع إلى المسيح الإله أن يخلّص نفوسنا.

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share