قراءةٌ في تجارب الرّبّ في البرّيّة

الأخت لبنى فارس الحاج Monday January 22, 2024 749

قراءةٌ في تجارب الرّبّ في البرّيّة
(متّى ٤: ١-١١)

تجاربُ الرّبّ يسوعَ في البريّة بعد معموديّته، تذكّرنا بتجارب إسرائيل القديم في البريّة بعد أن عبر البحر الأحمر. كما أنّ الأربعين يومًا مرتبطةٌ هي الأُخرى بالأربعين سنةً التي قضاها إسرائيل في البريّة حيث سقط، في حين أنّ يسوع غلب. فهدف الرّواية هو التّشديد على أنّ يسوع هو ابن الله الحقيقيّ، هو إسرائيل الحقيقيّ، الّذي انتصر في البريّة على التّجارب التي فشل أمامها إسرائيل القديم كأمّةٍ/كشعب، أثناء مسيره في البرّيّة.

التّجربة الأولى
بعدما تقدّم صوتُ الآب ليسوعَ بالشّهادة مسمّيًا إيّاه ابنًا محبوبًا، أراد إبليس أن يتحدّى يسوع ليبرهن عن بنوّته عبر المعجزات، فيستعمل عطايا الله من أجل منفعته الشّخصيّة، ويسدّ جوعه بتحويل الحجارة إلى خبز. التّجربة هذه هدفها إسقاط يسوع في خطيئة عدم الاتّكال على الله، الخطيئة الّتي سقط فيها إسرائيل القديم الّذي تذمّر على الله مرارًا وتكرارًا من أجل الحصول على الطّعام في البرّيّة.

وقد ردّ المسيح على إبليس بآية من الكتاب المقدس: “لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ اللهِ” (تثنية 8: 3) معلنًا أنّ حياةَ الإنسان هي بكلمة الله وعنايته، كما يعلّم الكتاب. ففي البرّيّة، نطاق الموت، أطعم الله شعبه المنَّ فأحياهم ليدركوا أن لا حياة لهم إلّا بكلمته. هذه الكلمة التي يذكرها النبيّ إشعياء في النّشيد الثّالث من أناشيد عبد الربّ المتألّم حيث يقول هذا الأخير: “أعطاني السَّيِّدُ الرَّبُّ لِسَانَ الْمُتَعَلِّمِينَ لأَعْرِفَ أَنْ أُغِيثَ الْمُعْيِيَ بِكَلِمَةٍ. يُوقِظُ كُلَّ صَبَاحٍ. يُوقِظُ لِي أُذُنًا، لأَسْمَعَ كَالْمُتَعَلِّمِينَ. السَّيِّدُ الرَّبُّ فَتَحَ لِي أُذُنًا وَأَنَا لَمْ أُعَانِدْ”(إشعيا ٥٠: ٤-٥). فبالربّ يسوع تتحقّق نبوءة إشعياء عن العبد المتألّم الّذي يُسرُّ الله به، كما أعلن صوت الآب. فهو الّذي ينطق دائمًا بكلمة الله.

وباستناده على كلمة الله لمقاومة إبليس، أعطانا الربّ يسوع مثالًا لنتبع خطاه. فهو لم يستعمل قوّةً لا نملكها، فقد أعطانا القدرة أن نقاوم التّجربة بإظهار كذب الشّيطان من خلال تسليط نور كلمة الله عليه. فإذا كنّا لا نعلم كلمة الله، فنحن ضعاف جدًّا أمام التّجربة، وهذا ما يبيّنه المزمور ١١٩: ١١: “خَبَأْتُ كَلاَمَكَ فِي قَلْبِي لِكَيْ لا أُخْطِئَ إِلَيْكَ.” وأيضًا ما يوصينا به الرّسول بولس عن ضرورة لبس سلاح الله الكامل لنستطيع مواجهة مكائد إبليس، ومن ضمن هذا السّلاح سيف الرّوح الّذي هو كلمة الله: “يا إخوة، تَقوَّوا في الربّ وفي عزَّةِ قدرتِه. إلبَسُوا سلاحَ اللهِ الكامل لتستطيعوا أن تَقفوا ضِدَّ مكايدِ إبليس. فإنّ مصارَعَتَنا ليست ضِدَّ دمٍ ولحمٍ بل ضدّ الرئاساتِ، ضدَّ السلاطين، ضدَّ ولاة العالم، عالمِ ظُلمةِ هذا الدّهر، ضدَّ أجنادِ الشرِّ الروحيَّةِ في السماويَّات. فلذلك احمِلوا سلاحَ الله الكاملَ لتستطيعوا المقاومة في اليوم الشّرير، حتّى، إذا تمّمتُم كلّ شيء، تثبُتوا. فاثُبتوا إذنْ ممنطقينَ أحقاءكم بالحقّ ولابسين درعَ البرّ، وأنعِلوا أقدامَكم باستعدادِ إنجيل السلام، واحمِلوا علاوة على كلّ ذلك، تُرسَ الإيمان الذي به تقدرون على أن تُطفِئوا جميعَ سهام الشرّير الملتهبة، واتّخذوا خُوذة الخلاص وسيف الرّوحِ الذي هو كلمة الله” (أفسس ٦: ١٠- ١٧).

التّجربة الثّانية
عندما رفض يسوع أن يستعمل قدرته لمصلحته الذّاتيّة مشيرًا إلى أنّ ابن الله/ إسرائيل الحقيقي يأخذ حياته وطعامه من الثّقة المطلقة بكلمة الله وطاعتها، انطلق الشّيطان من هذه الثّقة داعيًا يسوع أن يضع نفسه كليًّا بين يدَي الله برميه نفسه من سطح الهيكل: وهكذا جرّب يسوع بدعوته إياه إلى أن يجرّب الله، أن يجبره أن يقوم بعمل يفوق الطّبيعة. أجاب يسوع بتشديد على أنّ الثّقة البنويّة هي ثقة مطيعة. هي تنتظر تدبير الله ولا تجبره على القيام بشيء. البنوّة الحقيقيّة لا تجبر الله أن يخضع لمشيئتنا.

وفي التّفصيل أنّ إبليس أخذ يسوع إلى أعلى مكان في الهيكل وهو جناحه، ليلقي بنفسه من فوق، فتأتي الملائكة وتحمله، لأنّه مكتوب “لأَنَّهُ يُوصِي مَلاَئِكَتَهُ بِكَ. عَلَى الأَيْدِي يَحْمِلُونَكَ لِئَلاَّ تَصْدِمَ بِحَجَرٍ رِجْلَكَ.” (متّى٤: ٦). وهكذا ينزل في السّاحة الكبيرة محمولًا على أيديهم، فيبهر الجموع المحتشدة، فيبرهن أنّه ابن الله.

وبما أنّ يسوع استند في جوابه الأوّل على الكتاب المقدّس، حاول إبليس أن يستند أيضًا على ما هو مكتوب، فاستشهد بآيةٍ من المزامير، غير أنّه، من أجل تشويه معناها، أغفل قصدًا جزءًا منها، ألا وهو: “فيحفظوك في جميع طرقك”. فصحيحٌ أنّ الله يعد أن يحفظ أولاده بملائكته (مز 91: 11-12)، غير أنّه لم يعد أبدًا بإرسال ملائكته لحماية الإنسان إن رمى نفسه في الخطر، ملقيًا إيّاها بكامل إرادته في التّجربة. لكنّ يسوع يعلم كيف استخدم الشيطان هذه الآية بطريقة ملتوية، كما يفعل الكثيرون اليوم إذ يحرّفون معاني الآيات، فأجاب: “مكتوب إيضًا لا تجرّب الربّ إلهك”، أي أنّه لا يسعنا أن نجرّب الله ونجبره على مساعدتنا ليبرهن عن حبّه وعنايته بنا. فبالنسبة إلينا، هو برهن ذلك على الصّليب: “وَلكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا، لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا” (رو ٥: ٨).

أمّا بالنسبة لبنوّة يسوع لله، فقد ظهرت هي الأخرى عند الصّليب: “وَأَمَّا قَائِدُ الْمِئَةِ وَالَّذِينَ مَعَهُ يَحْرُسُونَ يَسُوعَ فَلَمَّا رَأَوْا الزَّلْزَلَةَ وَمَا كَانَ، خَافُوا جِدًّا وَقَالُوا: «حَقًّا كَانَ هذَا ابْنَ اللهِ!»” (مت 27: 54). كما يعلن الرّسول بولس أيضًا: “وَتَعَيَّنَ ابْنَ اللهِ بِقُوَّةٍ مِنْ جِهَةِ رُوحِ الْقَدَاسَةِ، بِالْقِيَامَةِ مِنَ الأَمْوَاتِ: يَسُوعَ الْمَسِيحِ رَبِّنَا” (روميه ١: ٤)

هذه التّجربة هي الأخرى سقط فيها إسرائيل: “ثُمَّ ارْتَحَلَ كُلُّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَرِّيَّةِ سِينٍ بِحَسَبِ مَرَاحِلِهِمْ عَلَى مُوجِبِ أَمْرِ الرَّبِّ، وَنَزَلُوا فِي رَفِيدِيمَ. وَلَمْ يَكُنْ مَاءٌ لِيَشْرَبَ الشَّعْبُ. فَخَاصَمَ الشَّعْبُ مُوسَى وَقَالُوا: «أَعْطُونَا مَاءً لِنَشْرَبَ.» فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى: «لِمَاذَا تُخَاصِمُونَنِي؟ لِمَاذَا تُجَرِّبُونَ الرَّبَّ؟» وَعَطِشَ هُنَاكَ الشَّعْبُ إِلَى الْمَاءِ، وَتَذَمَّرَ الشَّعْبُ عَلَى مُوسَى وَقَالُوا: «لِمَاذَا أَصْعَدْتَنَا مِنْ مِصْرَ لِتُمِيتَنَا وَأَوْلاَدَنَا وَمَوَاشِيَنَا بِالْعَطَشِ؟» فَصَرَخَ مُوسَى إِلَى الرَّبِّ قَائِلًا: «مَاذَا أَفْعَلُ بِهذَا الشَّعْبِ؟ بَعْدَ قَلِيل يَرْجُمُونَنِي». فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «مُرَّ قُدَّامَ الشَّعْبِ، وَخُذْ مَعَكَ مِنْ شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ. وَعَصَاكَ الَّتِي ضَرَبْتَ بِهَا النَّهْرَ خُذْهَا فِي يَدِكَ وَاذْهَبْ. هَا أَنَا أَقِفُ أَمَامَكَ هُنَاكَ عَلَى الصَّخْرَةِ فِي حُورِيبَ، فَتَضْرِبُ الصَّخْرَةَ فَيَخْرُجُ مِنْهَا مَاءٌ لِيَشْرَبَ الشَّعْبُ». فَفَعَلَ مُوسَى هكَذَا أَمَامَ عُيُونِ شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ. وَدَعَا اسْمَ الْمَوْضِعِ «مَسَّةَ وَمَرِيبَةَ» مِنْ أَجْلِ مُخَاصَمَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَمِنْ أَجْلِ تَجْرِبَتِهِمْ لِلرَّبِّ قَائِلِينَ: «أَفِي وَسْطِنَا الرَّبُّ أَمْ لاَ؟»

وقد حذّر الله منها مرارًا إذ نقرأ في الكتاب: “لِذلِكَ كَمَا يَقُولُ الرُّوحُ الْقُدُسُ: «الْيَوْمَ، إِنْ سَمِعْتُمْ صَوْتَهُ، فَلاَ تُقَسُّوا قُلُوبَكُمْ، كَمَا فِي مريبة، مثلَ يومِ مسّة، (يَوم الإِِسْخاطِ، يَوْم التَّجْرِبَةِ) فِي الْقَفْرِ، حَيْثُ جَرَّبَنِي آبَاؤُكُمُ. اخْتَبَرُونِي وَأَبْصَرُوا أَعْمَالِي أَرْبَعِينَ سَنَةً، لِذلِكَ مَقَتُّ ذلِكَ الْجِيلَ، وَقُلْتُ: إِنَّهُمْ دَائِمًا يَضِلُّونَ فِي قُلُوبِهِمْ، وَلكِنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا سُبُلِي، حَتَّى أَقْسَمْتُ فِي غَضَبِي: لَنْ يَدْخُلُوا رَاحَتِي» (مزمور ٩٥: ٧- ١١ وعبرانيّين ٣: ٧- ١١).

التّجربة الثّالثة:
إذ فشل إبليس في التّجربتين السّابقتين، حاول تجربة يسوع للمرّة الثالثة بوعده بإعطائه السّلطان العالميّ على ممالك العالم ومجدها بالطّريقة “السّهلة”، أي بسجوده له. ولكن كما أظهر يسوع سلطانه بتفسير كلمة الله بالطريقة الصّحيحة، بمواجهة من حاول تحريفها، هو يُظهر الآن سلطة كلمته على الشّيطان نفسه: “إذهب يا شيطان”. الابن كليّ القدرة لأنّه بقي ملتصقًا بالله بشكل طوعيّ. من هنا غلب حيث فشل إسرائيل القديم.

في هذه التّجربة، حاول الشّيطان إغراء يسوع بأمجاد العالم، بعرضه الطريق السّهل للوصول إليها بدل الآلام وحمل الصليب. فأصعده إلى جبلٍ عالٍ، وهناك عرض عليه إعطاءه السّلطان فقط إن سجد له. وهنا لم يجرؤ الشيطان أن يقول “إن كنت ابن الله”، فبالتأكيد ابن الله لن يسجد للشيطان.

لقد أتى يسوع ليحرّر أمم العالم وممالكه من سلطة الشّيطان. فصحيح أنّ العالم في الأخير هو عالم الله، ولكنّ النّاس بخضوعهم للخطيئة، صاروا مستعبَدين للشّيطان “إله هذا الدّهر” (٢ كورنثوس ٤: ٤).

هنا أيضًا واجه يسوع إبليس بما هو مكتوب، وهو أنّ السّجود هو لله وحده (تثنية 6: 13). يسوع إذًا، بطاعته حيث لم يطع إسرائيل، أظهر نفسه ابن الله الحقيقيّ وإسرائيل الحقيقي. هو رفض عرض الشّيطان أن يعطيه السّلطان العالمي، ليس لأنّه غير مخوّلٍ أن يحصل عليه، ولكن لأنّ طريقه إليه هو طريق الصّليب. وفي نهاية الإنجيلْ يعلن المسيح المصلوب والقائم من بين الأموات سلطانه العالميّ ويفوّض تلاميذه أن يعلنوا البشارة: “إنّي قد أُعطيت كلّ سلطان في السّماء وعلى الأرض، فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم…” (متّى ٢٨: ١٨- ٢٠). هنا يرد الفعل “أُعطيت” بصيغة المجهول، هذه الصيغة التي تدلّ في الكتاب المقدّس على أنّ الله هو المعطي. فيسوع يأخذ السلطان من أبيه وحده.

هو يحكم كلّ العالم بالضبط لأنّه رفض عرْضَ الشيطان على الجبل (متّى ٤: ٨- ١٠)، وعرْضَ بطرس الذي دعاه شيطانًا (متّى١٦: ٢١- ٢٣)، وعرْضَ أعدائه وهو على الصّليب (متى ٢٧: ٣٩- ٤٣). كلّهم أعداء الصّليب لأّنهم طلبوا المجد بمعزلٍ عن الآلام.

ففي إنجيل متّى حيث يُستعمل كثيرًا لقب “ابن الله”، هناك تركيز على ربط هذا اللّقب بالطّاعة والثّقة والتّواضع والآلام. فهو الابن الذي اضطُهد وجُرّب ولكنّه برهن عن طاعته الكاملة لأبيه، هو “الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلًا للهِ. لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ. لِذلِكَ رَفَّعَهُ اللهُ أَيْضًا، وَأَعْطَاهُ اسْمًا فَوْقَ كُلِّ اسْمٍ، لِكَيْ تَجْثُوَ بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى الأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ الأَرْضِ، وَيَعْتَرِفَ كُلُّ لِسَانٍ أَنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ هُوَ رَبٌّ لِمَجْدِ اللهِ الآبِ” (فيلبّي ٢: ٦-١١).

ردود يسوع على إبليس من كتاب تثنية الاشتراع

في التّجارب الثّلاث، ليست صدفةً أن يواجه الابن تجارب الشيطان كلّها باستشهادات من كتاب تثنية الاشتراع، هذا الكتاب الذي يحوي وصايا الله الّتي فشل إسرائيل القديم في تطبيقها. فإسرائيل خضع لهذه التّجارب الثّلاث. فقد أظهر فشله في الاتّكال على الله وفي الثّقة بعنايته كما فعل يسوع في التّجربة الأولى، وهذا ظهر في قصّة المّن (تثنية ٨: ٣). كما جرّب إسرائيل الله في مسّا (تثنية ٦: ١٦)، الأمر الذي رفضه يسوع في التّجربة الثانية، وكسر إسرائيل عهده مع الله بسجوده لآلهة أخرى (تثنية ٦: ١٣)، في حين أنّ يسوع غلب أيضًا في هذه التجربة الثّالثة.

هذه السّقطات التي يذكرها أيضًا الرّسول بولس في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس حيث يشدّد قبل تعدادها وبعده أنّ هذه الأمور كُتبت لوعظنا لئلّأ نشتهي شرورًا كما اشتهى أولئك: “فَإِنِّي لَسْتُ أُرِيدُ أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ تَجْهَلُوا أَنَّ آبَاءَنَا جَمِيعَهُمْ كَانُوا تَحْتَ السَّحَابَةِ، وَجَمِيعَهُمُ اجْتَازُوا فِي الْبَحْرِ… لكِنْ بِأَكْثَرِهِمْ لَمْ يُسَرَّ اللهُ، لأَنَّهُمْ طُرِحُوا فِي الْقَفْرِ. وَهذِهِ الأُمُورُ حَدَثَتْ مِثَالًا لَنَا، حَتَّى لاَ نَكُونَ نَحْنُ مُشْتَهِينَ شُرُورًا كَمَا اشْتَهَى أُولئِكَ. فَلاَ تَكُونُوا عَبَدَةَ أَوْثَانٍ كَمَا كَانَ أُنَاسٌ مِنْهُمْ… وَلاَ نُجَرِّبِ الْمَسِيحَ كَمَا جَرَّبَ أَيْضًا أُنَاسٌ مِنْهُمْ، فَأَهْلَكَتْهُمُ الْحَيَّاتُ. وَلاَ تَتَذَمَّرُوا كَمَا تَذَمَّرَ أَيْضًا أُنَاسٌ مِنْهُمْ، فَأَهْلَكَهُمُ الْمُهْلِكُ. فَهذِهِ الأُمُورُ جَمِيعُهَا أَصَابَتْهُمْ مِثَالًا، وَكُتِبَتْ لإِنْذَارِنَا نَحْنُ الَّذِينَ انْتَهَتْ إِلَيْنَا أَوَاخِر الدُّهُورِ” (١كورنثوس ١٠: ١- ١١).

إذًا يسوع انتصر حيث سقط إسرائيل القديم. فيسوع هو إسرائيل الحقيقيّ، هو ابن الله الحقيقيّ الذي بانتصاره على الشّيطان، يعطينا القوّة والثّقة والمعونة إن نحن اقتدينا به: “لأنه في ما هو قد تألّم مُجَرَّبًا يقدر أن يعين المُجَرَّبين” (عبرانيّين 2: 18)، ولذلك “لَمْ تُصِبْكُمْ تَجْرِبَةٌ إِلاَّ بَشَرِيَّةٌ. وَلكِنَّ اللهَ أَمِينٌ، الَّذِي لاَ يَدَعُكُمْ تُجَرَّبُونَ فَوْقَ مَا تَسْتَطِيعُونَ، بَلْ سَيَجْعَلُ مَعَ التَّجْرِبَةِ أَيْضًا الْمَنْفَذَ، لِتَسْتَطِيعُوا أَنْ تَحْتَمِلُوا” (١كورنثوس ١٠: ١٣).

إذًا لا مهرب من التّجارب، ولذلك قال الآباء “ليس الخطأ أن تحوم الطّيور حول رؤوسنا، بل الخطأ أن تتّخذ من رؤوسنا أوكارًا لها”. فتعرُّضُنا للتّجارب ليس خطيئة، لكن أن نتلذّذ بالفكر، أن نتحاور مع إبليس، وأن نخضع لهُ، فهذه هي الخطيئة. فالله لا يسمح أن نجرَّب إلّا بمقدار طاقتنا، حتّى متى انتصرنا على التّجارب بمعونته الإلهية، نستفيد ونتقوّى روحيًّا. الله يسمح إذًا بالتّجارب ويعيننا أثناءها لنخرج منها أكثر قوّة وصلابة وخبرة، واثقين في وعود الله، مختبرين عنايته بنا، كما نخرج أيضًا من هذه التّجارب أكثر تواضعًا إذ ندرك ضعفنا وندرك أيضًا قوّة الله، بل ندرك أننا بالمسيح أقوى من الشّيطان وأسلحته. فالله يسمح بالتّجارب “وَلكِنَّنَا فِي هذِهِ جَمِيعِهَا يَعْظُمُ انْتِصَارُنَا بِالَّذِي أَحَبَّنَا”( رو ٨: ٣٧)

خاص لموقع الحركة بقلم الأخت لبنى فارس الحاج

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share