تذكار أبينا الجليل البارّ في القدّيسين غريغوريوس اللّاهوتي (+389-390م)

mjoa Thursday January 25, 2024 206

نشأ قدّيسنا وترعرع في مدينة صغيرة اسمها نزينزة في عام 329 م، أبوه القدّيس غريغوريوس الشيخ والذي أحبّ الفقير حبًّا جمًّا، أمّا أمّه القدّيسة نونّة، فكانت زينة النساء المسيحيّات، تسنّى لغريغوريوس الذي نشأ في بحبوحة، أن يحصّل من العلم والثقافة القدر الوافر، ثمّ انتقل إلى قيصرية الكبّادوك حيث التقى القدّيس باسيليوس الكبير الذي أضحى، ربيب عمره وأليف نفسه. ترك قيصرية فلسطين إلى الاسكندريّة، ثمّ إلى أثينا والتقى من جديد باسيليوس وتابعا الدراسة سويّة. جمَع الصديقَين في أثينا همّ واحد: محبّة الله ثمّ محبّة البلاغة والأدب والفلسفة. نبذا الغنى، لم يكن للحسد مكان فيهما. بقي غريغوريوس في أثينا إلى سِنّ الثلاثين تقريبًا، ثمّ عاد إلى نزينزة، وحدَه الله أضحى له الكلّ ووحدَه اللّاهوت أضحى المتعة. وصار يعيش كما لو كان خارج العالم، ولا حديث له يستهويه إلّا إلى ربّه. وانتقل غريغوريوس إلى إيبورة، حيث أقام قرابة السنتَين، وكان يسهر ويصوم ويصلّي، ودرس الكتب المقدّسة ورنّم المزامير. وبعد موت والد القدّيس غريغوريوس حدَث ما شكّل له صدمة حين أمسكوه وحملوه إلى الكنيسة حملًا وألزموه أن يصير كاهنًا، فرضخ للأمر الواقع الذي أسماه “عمل استبداد روحيّ”. بقي غريغوريوس في نزينزة ما يقرب من السنوات العشر يعمل بصمت وحلّت به خلالها مِحَن قاسية، كما حلّت النكبات الطبيعية بنزينزة، وانحطّت المدينة ككلّ وهدّد الحاكم بهدمها بالكامل. فوعظ غريغوريوس وشدّد ولم ينفّذ الحاكم تهديده، وأمام ضغوط الأحداث لم يجد لنفسه مهربًا إلّا الخلوة والهدوء.
وغادرغريغوريوس إلى سلفكية إيصفرية حيث بقي ما يقرب من السنوات الأربع كما لو كان في مقبرة منعزلًا عن العالم. وعندما قُتل الإمبراطور الآريوسيّ فالنس ولاحت في سماء الكنيسة تباشير فجر جديد، وبعد سنة رقد القدّيس باسيليوس الكبير، وكلا الحدثين حملا غريغوريوس على العودة إلى أرينزة. إثر وفاة فالنس الإمبراطور تلحلح الوضع الكنسيّ وتنفّس الفريق الأرثوذكسيّ الصعداء، ولم يجد غريغوريوس كنيسة واحدة يلتقي فيها المؤمنين، ففتح له أحد اقربائه دارَه، فحوّل إحدى القاعات فيها كنيسة دعيت “كنيسة القيامة”. في هذا المكان، تفوّه قدّيسنا بخطبه اللّاهوتية الخمسة الشهيرة، تلك التي أهّلته للقب “اللّاهوتيّ”، انقلب الهراطقة عليه وسعوا جهدهم للتخلّص منه، لكنّه صمَد وثبَت. وقد دفع فيما بعد الحسّاد أحد الرجال إلى محاولة قتل غريغوريوس فلمّا كان على وشك تنفيذ جريمته انهار واعترف تائبًا.
سنوات قدّيسنا الأخيرة من حياته قضاها في أرينزة يكتب الرسائل والشِعر ويدافع عن الإيمان من وقت لآخر، ويتابع، بأمانة، الصلاة والممارسات النسكيّة قدر طاقته. كان أحيانًا يغور في أحد الكهوف ينام على المسوح ويصادق الحيوانات. وقد أوصى بكلّ ما بقي له للفقراء. أمّا وفاته فكانت في السنة 389 او 390 م عن عمر ناهز الستّين.

طروبارية القدّيس غريغوريوس
إنَّ المزمار الرِّعائي لتكلُّمِكَ في اللّاهوت، قد قهر أبواقَ الخطباء وغلَبها، فبما أنّك التمستَ أعماق الرّوح قد أُضيف إليكَ حسنُ النُّطق، أيها الأب غريغوريوس، فتشفَّع إلى المسيح الإله أن يخلِّصَ نفوسنا.

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share