وُلد القدّيس تاراسيوس منتصف القرن الثامن الميلاديّ لعائلة جمَعت رِفعة المقام إلى الغنى والفضيلة. وكان موضع إكرام الجميع وتقديرهم، ومع أنّه كان عشير القصر الملكيّ، عرف أسمى المراتب فإنّه سلك سلوك رجل زاهد. كان بولس الثالث بطريرك القسطنطينية، قد جنح إلى القبول بمحاربة الإيقونات، ويبدو أنّ ضميره صحا وأراد أن يكفّر عن ذنبه فاستقال واعتزل في دير فلورس، وأوصى بأن يكون تاراسيوس بطريركًا مكانه. وحاول تاراسيوس التهرّب ولكن عبثًا، فرضَخ وجرَت ترقيَته في سلّم الرّتب الكنسيّة وصُيّر بطريركًا في عيد الميلاد من السنة 780 م. دعا تاراسيوس إلى مجمع مسكونيّ يعيد الاعتبار للإيقونات ويضع حدًّا للأذى الذي سبّبته الحرب عليها. التأم المجمع في القسطنطينية أوّلًا، ثمّ في نيقية في أيلول من السنة التالية 787. وقد أُعيد الاعتبار للإيقونات وأكّد المجتمعون أنّ الإيقونة مستحقّة للإكرام دون العبادة وأنّ الإكرام موجَّه إلى المرسوم عليها. وكان تاراسيوس هو الذي رأَس الجلسات وقادها بحذر وحكمة. إلى ذلك عمل تاراسيوس بجدّ على التخلّص من السيمونيّة في سيامة الكهنة ودافع عن حق اللّجوء إلى الكنائس وهو القاضي بمنع السلطات المدنيّة من إيقاف أيّ كان إذا لجأ إلى الكنيسة واحتمى بالمذبح.
وقد كانت سيرة تاراسيوس نموذجًا للكمال في عين الإكليروس والشعب معًا. لم يسمح لنفسه إلّا بالقليل من النوم. الصلاة والقراءة ملأتا أوقات فراغه. كانت مُتعة له أن يقوم بخدمة الآخرين بدل أن ينتظر الخدمة منهم. وعمِل على استئصال العادات الكنسيّة السيّئة بين الناس. محبّته للفقير فاقت سائر فضائله. مواعظه كانت حثًّا قويًّا على التقشّف.
هدّد تاراسيوس الإمبراطور قسطنطين الثالث بالحرم إن هو استمرّ في غيّه. أي في أن يتزوّج بعد أن يطلّق زوجته وقد اتّهمها بأنّها دسّت له السُّم، أثار موقف البطريرك تاراسيوس سخط الإمبراطور فحكَم عليه بالإقامة الجبريّة ومنع أيًّا من الاتّصال به. لم يطلق تاراسيوس الحرم ضدّه، لكنّ الملك تابع اضطهاد البطريرك بشتّى الطرق الممكنة وتقييد حركته بالمراقبين الذين أخذوا يتدخّلون مباشرة في شؤون البطريركيّة، وكذا نفي العديد من خدّامها.
بعد سنة أُطيح بقسطنطين وتمكّنت أمّه إيريني من وضع يدها على العرش. واستعاد تاراسيوس حرّيته وأصدر حُرمًا بحقّ يوسف الكاهن الذي زوّج قسطنطين وثيودوتا واستعاد الشركة مع دير ستيوديون وقسم من الشعب بعدما كان القدّيس ثيودوروس السنوديتي قد قطعها معه بسبب تمنّعه عن قطع الإمبراطور. بعد أسقفيّة دامت اثنين وعشرين عامًا، مرِض تاراسيوس مرضًا طويلًا مؤلمًا، لكنّه اعتاد إقامة الذبيحة الإلهيّة كلّ يوم متّكئًا على عصاه. رقد في الربّ في 18 شباط 806 م. ودُفن في الخامس والعشرين منه في ديره. الزيت المشتعل فوق ضريحه ظهر شافيًا للعديدين.
طروبارية القدّيس تاراسيوس
لقد أظهرتك أفعال الحقّ لرعيّتك قانونًا للإيمان وصورة للوداعة ومعلّمًا للإمساك، أيّها الأب رئيس الكهنة تاراسيوس، فلذلك أحرزتَ بالتواضع الرّفعة وبالمسكنة الغنى، فتشفّع إلى المسيح الإله، أن يخلّص نفوسنا.