وُلدت القدّيسة أنسطاسيا في القسطنطينيّة. عاشت في زمن الإمبراطور يوستنيانوس الأوّل (527م – 565م). نشأت في كنف عائلة من النبلاء وتربّت على التّقوى ومخافة الله. أُعطيت لقب البطريقة الأولى في القصر الملكيّ. كانت النسوة يحظَينَ باللّقب عبر أزواجهنَّ أو لخدماتهنَّ الجليلة للدولة. لم تغيّر الكرامات قلب أنسطاسيا في شيء، حفظها للوصيّة ومخافتها لله كانا ثابتَين. وقد جمعت بين الجسارة في التعامل ووداعة المسرى. كانت موضع إعجاب وتقدير الكثيرين بمن فيهم الإمبراطور نفسه. حرّك الحسد نفوس البعض فتناولها بالنّقد. الإمبراطورة ثيودورة نال منها الحسد أيضًا. كلّ هذا حمَل أنسطاسيا على المغادرة، واتّجهت إلى الإسكندريّة، وجهتهما كانت الجبال والصحاري على قسوتها. بنَتْ ديرًا بالقرب من الإسكندريّة، وأخذت تعمل في حياكة الألبسة الكهنوتيّة. عُرف ديرها بـ “دير البطريقة”. وتوفّيت الإمبراطورة وتذكّر يوستنيانوس قيصر أنسطاسيا البطريقة فأرسل يبحث عنها في كلّ مكان. علمت أنسطاسيا بالأمر فلجأت إلى الأنبا دانيال الذي ألبسها ثوبَ راهب ودعاها أناستاسيوس وأرسَلها إلى مغادرة لتُكمل سعيها الرهبانيّ. اعتادت ألّا تفتح باب مغارتها لأحد. كانت تخرج فقط طلبًا للماء والغذاء الذي كان يزوّدها به أحد تلامذة الأنبا دانيال. ثابرت أنسطاسيا على الجهاد، حتّى أضحت إناء لروح الربّ القدّوس وحظيت بموهبة التبصّر. عرفت بيوم انتقالها فأرسَلت رسالة إلى الأنبا دانيال تتطلب منه أن يحمل ما يلزم إعداد قبر، وأن يدفنها. وصل القدّيس دانيال إليها وسجد لها وباركها طالبًا صلاتها في هذه الساعة الأخيرة، وتحدّثت معه بالأمور الروحيّة وتناولت القدُسات وباتت مستعدّة للرّحيل. وبعد ذلك أسلمت الروح. يُذكر أنّ رفات القدّيسة أنسطاسيا نُقلت إلى مدينة القسطنطينية.