محبوبٌ أنتَ، فأحبِب!

الأخت باتي حداد Monday March 11, 2024 479

خاص لموقع الحركة بقلم الأخت باتي حداد*
نَصرِفُ عُمرَنا نَبحَث؛ لَكن، يَبقى السّؤال: هل يَعلمُ واحِدُنا عمَّ يَبحث وَما هو هدفُ بحثه؟ إجاباتٌ كثيرةٌ نَسمَعُها حول هذَين السّؤالَين يَصُبُّ مُعظَمُها في خانةِ البَحثِ عن السَّعادَة.

لِمَ نَبحَثُ عنِ السَّعادَة؟ مَاذا نَرتَجي منها؟
نَحنُ نَظُنُّ أنَّ “السَّعادَةَ” هي تأكيدٌ لِوجودِنا وَترجَمةٌ لَه. ولأنَّنا، في كثيرٍ مِن الأحيان، نَجهَلُ مَعنَى وجودِنا وغايتَه، تأتَي تَرجَمَتُهُ مُشَوَّهةً، أي تَكونُ السَّعادَةُ الَّتي نبتَغيها مُزَيَّفَةً وَغيرَ حقيقيَّةٍ، وبالتَّالي، نَمسَخُ أنفُسَنا بتَقزِيمنا لِحقيقة وجودنا. بهذه الطَّريقةِ، يُضحي بَحثُنا عن السَّعادَةِ دُونَ المَرجُوِّ منه، لأنَّه لا يُفضي إلى ما نَصبو إلِيه في أعماقِنا.

الهَدَفُ الأساسُ، إذًا، من كلّ هذا التَّنقيبِ هو أنْ أنوَجِدَ، بِعبارِةٍ أدقّ، أنْ أعِيَ وجودي وأشعرَ بأهمِّيَّته.
لا يَنوَجِدُ الإنسانُ إلَّا بالحُبّ! لا يَنوجِدُ الإنسانُ إلَّا بالله الحُبّ!

ألَم يَقُل الله، على لسِان رئيس الملائكةِ جبرائيل، لِنَبِيِّه دانيال: “في ابتداءِ تَضرُّعاتِكَ خَرَجَ الأمرُ وأنَا جِئتُ لِأُخبِرَكَ لأنَّكَ مَحبُوبٌ” (دا 9: 23)؟! ألَم يَشعُر، حِينَئذٍ، دانيالُ النَّبيُّ أنَّ صَوتَهُ قَد بَلَغَ أُذنَي الرَّبِّ فاستَجابَ له؟! ألَم يُدرِك وَقتئذٍ أنَّهُ مَوجودٌ بالنَّسبَةِ إلى خالقِهِ وإلهه؟! ألَم يَشعُرُ بالقُربَى منه وبوجُودِهِ المُسَتَمَدِّ من كَونِه مَحبُوبًا؟!

مَا مِنْ أمرٍ يُزيلُ الشَّكَّ والخوفَ والضَّياعَ مِن نَفْسِ الإنسانِ إلَّا الحُبّ. فَهل ما زِلَنا لا نَثِقُ بأنَّنا مَحبُوبون، وَمحبُوبون جِدًا؟!. مَنْ يُقيمُنا عُمَّالًا مَعه كما أقام بولسَ وأبلّوس (أنظُر 1كور 3: 9)، وَهو غَيرُ المحتاجِ، بالكُلِّيَّةِ، إلى مُساعَدةِ أحَدٍ، ألَم يَقُلْ لَنَا، بِطَرِيقَته هذه، إنَّنَا أَحبَّاؤه؟!. مَنْ يُريدُ لَنا أنْ “نَخلُصَ وأنْ نُقبِلَ إلى مَعرِفَتِه” (أنظُر 1 تيم 2: 4)، ألَم يُعلِمَنا، هَكذا، بأنَّنا أغلَى ما لَديه؟

ما أكثَرَ مَا أبلَغَنا الرَّبُّ الإلهُ بِحُبِّه لنِا، قولًا وأفعالًا، لكنَّه، لَم يَعِدْنا مرَّةً واحِدَةً، على حَسبِ قول الميتروبوليت جورج خضر ، بأنَّ أحَدًا سِواه يَجبُ أنْ يُحبَّنا، بل طَلَبَ منَّا أو، بالأحرى، أمَرَنا أنْ نُحِبّ. وأمرُ الرَّبِّ هذا بأنْ نُحِبَّ يأتي لِيُوكِّدَ لَنا بأنَّ وجودَنا مُستمدَدٌ مِن الحُبِّ تَقبُّلًا وَوهبًا، أي مِن اقتِبالِ محبَّةِ الله لَنا ومن وَهْبِ هذا الحُبِّ لِلآخَرِين.

مَنطِقُ إلَهِنا مُغايِرٌ لِمنطِقِ العالَمِ كمَا عبَّرَ الإنجيليُّ الخامسُ، إشَعياء النَّبيُّ، في سِفْره: “كَما عَلَت السَّمواتُ عن الأرضِ هكذا عَلَتْ طُرُقي عن طُرُقِكم وأفكاري عن أفكاركم” (إش 55: 9). يظنُّ العالمُ أنَّه يَسعَدُ بِقدر مَا يَقتني، بِقَدرِ مَا يَستَهلِك، بِقَدرِ مَا يَحَيا بِبذخٍ وتَرَفٍ؛ يظنُّ العالمُ أنَّه هَكذا يَنوجِد. لكن، يأتي الرّبُّ ويَكسرُ هذا المنطقَ بأمرِه لِنا: إنْ أردتُم أنْ تُدرِكُوا وجودَكم، إذهبوا إلى “سادتكم”، إلى إخوتكم المُستَضعَفين، واقبلوا سيادتَهم عليكم، إِقبلوا خدمتَكم لهم، أو، بالأَولى، أُطلُبوا هذه الخدمةَ واسعَوا في إثْرِها، إسألوا هؤلاءِ أنْ يَقبلوكم خدَّامًا لَهُم وابذُلوا أنفُسَكُم أمامهم.

ما هذا السِّرُّ، يا ربّ؟! تُوجِدُني بِمحَبَّتِكَ ولا تَطلُبُ مقابلًا لِنفسِك، بل تَنشُدُ أنْ تُوزَّعَ مَحبَّتُكَ الَّتي مَنَحتَنيها لِلآخَرين، حتَّى أنوجِدَ بكَ فيِهم، وأُدرِكَ بأنَّني محبوبٌ!.
سَمعتُكَ، ربّي، وأنتَ تَقولُ لِي: أحبَبتُك لِتُحبِبْ، فأحبِبْ!

*من فرع الميناء – مركز طرابلس. مرشدة فرقة عاملين وأخرى جامعيين، ومسؤولة الإرشاد في الفرع

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share