ولد القدّيس بنديكتوس حوالي العام 480 م في نورسيا الإيطاليّة لعائلة مرموقة. بعَثَ به والده إلى رومية لتحصيل العِلم. وبعد فترة قصيرة قرّر اعتزال العالم، فترك المدينة سرًّا واتّجه ناحية البراري. ووصل إلى برّية جبال سوبلاكم. هناك التقى راهبًا اسمه رومانوس، وهو الذي ألبَسه ثوب الرّهبنة وزوّده بإرشادات نافعة واقتاده إلى كهف ضيّق في عمق الجبال، يتعذّر على الناس بلوغه. وصار يأتيه رومانوس ببعض الطعام من وقت لآخر. وحين ذاع صيته أخذ قوم يزورونه ويمدّونه ببعض ما يحتاج إليه. وهو بدوره يزوّدهم بنصائحه وتوجيهاته. اِنتشر خبر بنديكتوس وأخذ الزهّاد يشقّون طريقهم إليه. إثر وفاة رئيس رهبان فيكوفار، أرسلوا يسألونه إن كان يرضى أن يكون راعيًا لهم فرضي على مضض. فوعظهم وعاد، إلى سوبلاكم حيث أخذ طلّاب الرّهبنة يقبلون إليه فبنى الدير تلو الدير حتّى بلغ مجموع ما أنشأه اثني عشر ديرًا، استقرّ في كلّ منها رئيس واثنا عشر راهبًا.
بعض أخبار هذه الديورة، ففي دير القدّيس يوحنا، كانت الحاجة إلى المياه ماسّة ولم يجد الرّهبان إلى تأمين حاجتهم سبيلًا، فصلّى القدّيس فخرجت المياه من الأرض. وفي دير القدّيس إكليمنضوس، على ضفّة البحيرة، فيما كان راهب غوطيّ يقطع الأشواك سقط حديد منجله، فصلّى الرهبان وبشفاعة أبيهم جاؤوا بعود المنجل وجعلوه في الماء فاجتذب الحديد فسبّحوا الله وشكروه. وبدأ مشاهير من القوم في رومية وسواها يتدفّقون عليه ليسألوه النُّصح ويلتمسوا بركة الرّب الإله على يديه. وإذ عاين إبليس ما أخذ القدّيس يصيبه من نجاح، فأشاع فلورنتيوس وهو كاهن في الجوار، أخبارًا لتشويه سمعة القدّيس وإلحاق الأذى به، وبعمله المبارك، فغادر القدّيس مقرّه في سوبلاكم إلى قمّة كاسينو. وفي طريقه إلى هناك، بلغه خبر وفاة فلورنتيوس بعد أن سقط عليه الرّواق. فحزِن القدّيس لِما جرى فيما عبّر تلميذه موروس عن ارتياحه للخلاص من اضطهاد الكاهن لمعلّمه ورهبانه. فأنزل بنديكتوس بالتلميذ قصاصًا. وأقام القدّيس بنديكتوس، كنيستَيْن في مدينة كاسينو، في المكان الذي هدم فيه الصنم ودكّ الهيكل. وفي ذلك الوقت أخذ ينشئ دير هضبة كاسينو ابتداء من السنة 529 م. وساسَ قدّيسنا ديرًا للرّاهبات قريبًا من المكان وآخر للرّهبان في تيراسينا. كما أوفد تلميذه القدّيس بلاسيدس لتأسيس دير في جزيرة صقليا.