لمّا كان القدّيس مرتينوس شمّاسًا، أوفده البابا ثيودوروس إلى القسطنطينيّة سفيرًا له. وهناك أبدى حماسة بيّنة صدًّا لهرطقة المشيئة الواحدة التي انتشرت في المدينة. وحين تمّ اختياره أسقفًا خلَفًا للبابا، دعا إلى مجمع دحض فيه هرطقة المشيئة الواحدة وأدان أركانها. أرسل قسطانس أحد المقرّبين منه، بعدما زوّده بأوامر مشدّدة لتصفية مرتينوس، ولمّا باءت محاولته بالفشل، أوعز إلى أحد مرافقيه باغتيال مرتينوس، فيما كان يقيم صلاة الشكر وأثناء مناولة الشعب، لكن العميل المكلّف باغتيال مرتينوس ضربه العمى الظرفيّ فلم يتمكّن من رؤية قدّيس الله.
أرسل قسطانس الملك موظّفًا آخر ليقبض على مرتينوس الذي اتّهمه بالهرطقة. وصَلَ كاليوباس رسول الملك إلى الكنيسة اللّاترانية برفقة جنوده وقبضوا على القدّيس ودفع إليه قرارًا ملكيًّا قضى بتنحيته، أخذ مرتينوس إلى الدار الأسقفيّة. ثمّ في إحدى اللّيالي في غفلة عن أعوانه حُمل إلى ظهر إحدى السُّفن العسكريّة إلى القسطنطينية. بلغ مرتينوس القسطنطينيّة وقد عومل معاملة مهينة وطُرح في السّجن. كما منع الجند أيًّا كان من التحدّث إليه ثلاثة أشهر.
في كانون الأوّل من تلك السنة استُجوب مرتينوس في محضر مجلس الشيوخ، كما عرض من بعيد على قسطانس الملك ومزّقت ثيابه الأسقفية، ثمّ أُسلم إلى حاكم المدينة ليمزّقه إربًا. ولمّا طلب وزير المال من الشيوخ أن يكفّروه، فعل ذلك بعضهم وامتنع أكثرهم. وبات مرتينوس ينتظر تنفيذ حكم الإعدام به أية لحظة. لمّا جاء قسطانس إلى بولس، بطريرك القسطنطينية الهرطوقيّ، وكان مريضًا جدًّا، أطلعه على حال مرتينوس فتنهّد وقال: “ويلاه! هذا سوف يزيد من عقابي”. ثمّ رجا الإمبراطور أن يخفّف عن بابا رومية.
بقي مرتينوس في السجن ثلاثة أشهر ثمّ نُفي إلى شرصونة في أيّار، حيث عمّت المجاعة. تمكّن قدّيسنا من تمرير رسالة إلى أتباعه، ممّا جاء فيها :” أَعجَبُ لحال أولئك الذين ينتمون لكنيسة القدّيس بطرس، كم هو قليل الاهتمام الذي يبدونه بعضو من أعضاء جسدهم! أيّ خوف قبض على أولئك الناس حتّى سطا عليهم فمنعهم من إتمام وصايا الله؟! أأبدو عدوًّا آثمًا للكنيسة جمعاء أم لهم بصورة خاصّة ؟! غير أنّي أطلب من الله بشفاعة القدّيس بطرس، أن يحفظهم ثابتين في الإيمان القويم. أمّا هذا الجسد الشقيّ، جسدي، فسوف يهتمّ الله بأمره. إنّه آت، فلماذا أضطرب ؟! أرجو، برحمته، أن لا يطيل مسراي”. ولم يخيّب الرب الإله خادمه فإنّه أخذه إليه، بعدما قضى في الأسقفيّة ستّ سنوات وشهرًا واحدًا وعشرين يومًا.