خاص لموقع الحركة بقلم الأخت سارة دادا*
صباحَ أحدِ الأيام استوقفني برنامجٌ تناول في إحدى فقراته موضوع “الإعاقة”، حيث دار نقاش حول تعريف معنى كلمة “إعاقة” إلى جانب ذِكر بعض الألقاب التي باتت الوصف الدّارج والألطف للأشخاص الّذين يعانون من إعاقة ما، مثال “ذوي الاحتياجات الخاصة”، ومؤخّرًا لقب “ذوي الهمم”.
انتهت الحلقة فاتحةً في نفسي الباب لجملةٍ من الأفكار والتساؤلات الوجدانية، فعدتُ بذاكرتي لذلك الرّجل الشّجاع، “جان فانييه”، أوّل من سلّط الضوء على الأشخاص “المختلفين” (سواء بالشّكل ممّن لديهم عجز بالحركة أو بالحسّ أو بقصور فكري وعقلي)، فأنشأ مؤسسة “الفُلك” “L’Arche” ضمّ فيها المعوَّقين وغير المعوَّقين ليتشاركوا العيش سوية بغية أن يشعروا أنهم جزء طبيعي من المجتمع، لتنتشر الفكرة بعدها في مختلف دول العالم تحت مسمى “إيمان ونور”.
إنّ حلم كلّ زوجين أن يمنحهما الرب الذريّة السليمة، “الخلقة التامّة” بحسب المقولة الشعبية التي لا ننفك نسمعها من الأهل والجيران والمعارف، لكن عندما يولد طفلٌ به “اختلافٌ” معيّن عن بقية أقرانه، لماذا تختلف النظرة؟ ما ذنب هذا الطفل وذنب أبويه ليختبروا نظرات التمييز التي قد تصل للنفور لدى البعض؟ ماذا لو أدرك كلٌّ منا “إعاقته” و”ضعفاته” التي يتغاضى عنها المجتمع لأنها لا تندرج ضمن معايير الإعاقة الشائعة؟
نحن جميعًا خُلقنا على صورة الله ومثاله، إذًا نحن جميعاً أبناؤه بقوّتنا وبضعفنا، وينبغي أن نُدرك ألّا اكتمال للإنسان إلّا بالاقتران والاقتراب والاقتداء بمن هو وحده الكامل، ربّنا ومخلّصنا يسوع المسيح له المجد. أفليس من الأجدر أن تتخلّى مجتمعاتنا عن تمجيد الجمال الظّاهري الباطل والكمال الناقص، فترتقي الدول وتقوم بعمل ما وتشارك أبناءها على اختلاف قدراتهم وإمكانيّاتهم؟
بل لأذهب أبعد من ذلك وأتساءل: هل يخلو بيتٌ من إنسان لديه ضعف معيّن؟ وحتّى من تمتّع بتاج الصحّة لسنوات طويلة هل يستطيع أن يضمن استمرار صحّته هذه لآخر العمر؟ ألن نشيخ؟ أليس من الممكن أن نتعرّض لحادثٍ مرير فنصبح عاجزين.. و”معوَّقين”؟ إن تعرّضنا، لا سمح الله، لمثل هكذا تجربة مؤلمة، هل ستحُول هذه الإعاقة دون الحياة؟! بالطبع لا… سنشعر بحزن عميق، سيتغيّر أسلوب حياتنا بحسب الظرف الجديد بالطّبع، ستتفاوت ردّة فعل المجتمع المحيط بين من سيبتعد ومن سيبقى. هذا أمرٌ طبيعي. نحن لسنا بصدد الملامة أو توجيه الانتقاد لأي شخص لسلوكه، كلّ إنسان حرّ بطريقة تفكيره على ألّا تتجاوز حرّيته حدود الاحترام للآخر “المختلف”.
إذاً الأجدر بنا أن نرجع لذواتنا نحن وأن نبدأ من أنفسنا: كيف أنظر أنا إلى الشخص “المعوَّق”؟ هل لديّ الوعي الكافي لاحترامه واحتوائه بكامل كيانه؟ هل نمتلك البصيرة التي تجعلنا نرى الخشبة التي في أعيننا قبل أن نرى القشة التي في أعين إخوتنا؟ وكنتيجة لذلك أن ندرك الإجابة عن السؤال بكل صراحة وصدق “هل نحن البشر أجمعين بالفعل (خلقة تامة)”؟
هنا فقط أستطيع بكل جرأة أن أعترف بالشكر لوجود مثل هكذا أشخاص في حياتنا الذين، دونما أن يُدرِكوا، إنّما يعطونا درسًا بأن نعود بقلوبنا نحو الله رافعين الصلاة ليس فقط لكل مريض ومتألم، بل لنا ولجميع الناس، ملتمسين وطالبين الرحمة والمعونة لنستعيد الصورة التي خُلِقنا عليها قبل أن تتشوّه بالسقوط، فنتمتّع بحقٍّ “بالخلقة التّامة”.
*من فرع القدّيس يوحنّا الدّمشقي – دمشق. أمينة سر مركز دمشق. حاصلة على شهادة بكالوريوس من كلية الآداب والعلوم الإنسانية – قسم الأدب الإنكليزي، إلى جانب شهادة من معهد فنون تشكيليّة.
حاصلة على شهادة TOT دورة توعية حول مخاطر الإدمان قامت بها الأمانة العامّة بالتعاون مع مركز إعادة تأهيل الشباب المدمن
“Cenacle De La Lumiere CDLL”