لقد ظهر الربّ يسوع لتلاميذه مدّة أربعين يومًا (أع 1: 3)، قائمًا بالجسد من الأموات، وبعد أن أعلَمهم أنّهم سينالون قوّةً متى حلّ الروح القدس عليهم، ارتفع وأخذته سحابةٌ عنهم (أع 1: 8 و 9) نرى هنا بوضوح، أنّ صعود الربّ يسوع وارتفاعه إلى السماء مرتبط بإرساله الروح القدس إلى البشرية. وكأنّ الربّ يسوع أعطانا بصعوده إمكانيةَ صعودنا نحن أيضًا إلى السماء بواسطته إذا كنّا قائمين في حياة الروح القدس، وطبعًا هنا لا نتكلّم عن الموت، بل عن الصعود إلى الحياة الإلهية ونحن بعد على هذه الأرض.
إذًا الروح القدس الأزليّ المنبثق من الله الآب فقط (يو15 : 26) خارج الزمان، والمُرسل من الله الآب باسم الربّ يسوع خلال الزمان (يو 14 : 26)، أتاح للبشرية من بعد الصعود، المشاركة في الصعود، أي المشاركة في الحياة الإلهية. متمّمًا النبوءات ومُجدِّدًا العهد كما قال أرمياء النبيّ (إر 31: 31، 32، 33)، مُعطِيًا البشر قلبًا جديدًا، نازعًا قلب الحجر وجاعلًا الروح مسكوبًا في داخلهم، مخلّصًا إياهم من نجاستهم، كما عبّرَ النبيّان حزقيال ويوئيل (حز 36: 26 و 27، يؤ 2: 28). يَبرُز هنا، من خلال كلام أنبياء العهد القديم، علاقة مثلّثة بين صعود الربّ يسوع وإرسال الروح القدس إلى البشرية من جهة، وقلب الانسان من جهة أخرى. لذا يتّضح لنا أن مشاركة البشرية في الصعود الالهي مبنيّة على القلب. هذا ما يؤكّد عليه الرسول بولس في العهد الجديد بقوله: ختانُ القلبِ بالروح لا بالكتاب هو الختان (رو2: 29) والختان هنا يعني تنقية أو تطهير القلب من الأهواء.
هكذا، بإمكانية مشاركتنا في هذا الصعود، يتجلّى لنا كيفية انعكاس صعود الربّ يسوع بالجسد إلى السماء على حياتنا. وهذا يكون من خلال مبادرتنا بما نضع من جهد لتنقية القلب من جهة، ومن خلال ما يتممّه الروح الإلهي من تجديد وتطهير وتثبيت لقوّته فينا من جهة أخرى. بمعنى آخر، يَصعدُ مع الربّ يسوع الانسانُ الذي بادر وطلبَ محبّة المسيح، وسعى بها لتنقية قلبه من واقعه. أي الانسان الذي يَصلُب عبوديّته لنفسه، ولحاجاته وشهواته، ولكبريائه، ويتخلّص من كسله، ومن تقوقعه على نفسه وعلى مجتمعه، ويستبدلها بما أوصانا به المسيح من محبّة، محبّة الله من كل القلب، ومحبّة الاخر. لذلك، نستنتج أن الانسان المُعلّق على الصليب هو إنسان صاعد مع المسيح، به وإليه، مشاركًا في حياته الالهيّة. أما من ينزل عن صليبه ويرفُض أن يحمله، فهو يعيّد عيد الصعود كذكرى في التاريخ…